قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مستقبل البرلمان العراقي وارهاصات التغيير
عدنان الصالحي(*)
البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب هو هيئة تمثل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات.ويتكون من مجموعة من الأفراد يطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين، يكون التحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية، ويتم اختيارهم بواسطة مواطني بلدهم المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر.ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية.ويطلق على البرلمان تسميات مختلفة حسب كل دولة مثل "مجلس النواب" - "المجلس التشريعي" "مجلس الشعب" "مجلس الأمة" أو الجمعية الوطنية.
تختلف مدة الدورات البرلمانات حسب دساتير بعض الدول فمنها من تمتد خمس سنوات ومنها الأربع؛ وتنتهي دستورية الدورة السابقة عند افتتاح الدورة الجديدة الناتجة من الانتخابات التالية.في العراق نشأت الحياة الديمقراطية على أعقاب سقوط النظام السابق للبعث الصدامي في 3 نيسان 2003 وهو عهد جديد وفرصة مناسبة لقيام حياة تعددية وبناء دولة متحضرة وتداول سلمي للسلطة بعد قرون من الانقلابات والتسلط والدكتاتورية، ورغم إن الأغلب يعرف مدى كارثية ما تركته سنوات الحكم الشمولي والتفرد بالسلطة وما تبعها من فوضى أبان التغيير بعد دخول القوات الأمريكية إلا إن النهوض من تلك المستنقعات والتهدمات في بنية الدولة ليس بالمستحيل او بالصعوبة البالغة (لو ان أهل القرى امنوا واتقوا).وها نحن في المرحلة الثالثة للانتخابات البرلمانية بعد الدورة الأولى للجمعية الوطنية والدورة الثانية للبرلمان السابق وبدل أن تنضج الأفكار السياسية لدى القيادات العراقية وتكون ذات همة أسرع واكبر كانت البداية مخجلة جدا والإخفاق السياسي والدستوري كبير.حيث تعددت انتكاسات مجلس النواب العراقي الجديد الذي أنتجته الانتخابات البرلمانية في 7/3/2010، تجسدت في عدة مستويات أهمها:
1- عدم الالتئام لأكثر من نصف ساعة أو ساعة بشكل رسمي في فصل تشريعي كامل أي ما مدته ثمانية أشهر وهي حالة لم تشهدها البلدان الديمقراطية على مر التاريخ.2- الإخفاق في إنتاج وتشكيل حكومة ناهضة بالعمل الميداني في وقت تشهد البلاد تراجع امني وعمراني وخدماتي خطير.3- الغور في المناصب والمصالح الضيقة بعيدا عن المصلحة العامة.4- تغليب المصلحة الحزبية على مصلحة البلد.5- خضوع أعضاء القوائم الفائزة لرؤساء الكتل بشكل تام وفقدان روح المبادرة الفردية للأعضاء الجدد.6- التأثر بالضغوطات الخارجية للدول المجاورة أو الكبرى وبشكل اثر سلبا على مجمل العمل السياسي.7- انشغال معظم الأعضاء بالمفاوضات المارثونية وتركهم مسؤولياتهم من كونهم وزراء أو ذات مناصب حساسة في إدارة الدولة وبدون وجود أي رقابة.8- غياب الدور الرقابي لبلد ناشئ ولفترة طويلة نتيجة انشغال البرلمان بتشكيل الحكومة الجديدة.9- بقاء حكومة بكامل صلاحياتها بغير غطاء دستوري لمدة سنة تقريبا.
هذه البداية الهزيلة لبرلمان كان من المفترض أن يعالج هفوات سابقة للبرلمان الماضي أوجدت نتائج مخيفة على مستقبل العملية السياسية برمتها إضافة الى ذلك ما أفرزته على ارض الواقع من إشكالات وتداخلات تحتاج الى أوقات كبيرة لإيجاد حلول دستورية لها.
فما تركته التوافقات السابقة على طبيعة وعمل تشكيل الحكومة كان يتطلب برلماناً قويا نشطا لمعالجة آثار السنوات السابقة، غير إن ما عكسه البرلمان الجديد ترك انطباعا سيئا ورسم صورة مظلمة لمستقبل العملة السياسية في العراق برمتها. ولعل أهم ما يتوقع لمثل مقدمات كهذه هو ظهور عدة نتائج مستقبلية منها:
1- عزوف كبير ومتوقع لشرائح واسعة من القواعد الشعبية لعملية الانتخابات القادمة على أي نوع سواء محلي أم برلماني.2- فقدان الثقة بإيجاد تغيرات حقيقية على طبيعة الكتل السياسية والوجوه البارزة فيها كون الوضع التوافقي هو من يسود المشهد السياسي العراقي.3- احتمالية ظهور دكتاتورية حزبية او دكتاتورية (الأغلبية السياسية) وهو ما تنتجه تجمعات كتل سياسية وفق مصالح ضيقة لأحزابها وأفرادها بعيدا عن المصلحة العليا للبلاد.4- نمو حالة الفساد بشكل يهدد بناء الدولة وتغيير ملامحها الى دولة فاشلة غير قادرة على النمو نتيجة اشتراك جميع القوى الفائزة في الحكومة وغياب المعارضة البرلمانية.5- احتكار العمل السياسي على أحزاب معينة وعدم السماح للأخرى بالاشتراك والتدخل في العمل السياسي لما تمتلكه الأولى من مصادر المال والقوة والسلطة.6- غياب تام للعمل الإستراتيجي المنظم والاقتصار على الحلول الآنية نتيجة التشكيلة الهجينة للحكومة والتي تنتجها التوافقات وتقاسم المناصب الحكومية بعيدا عن الكفاءة والنزاهة.7- ظهور طبقة سياسية تمتلك (فوقية) خاص بها تتيح لها التجاوز على الدستور والقانون دون وجود محاسب ورادع لها وهذا ما نتج في الوضع الحالي من خرق للدستور بشكل سافر واحتمالية تطوره لمواقع أكثر خطورة.
على هذا الحال يبقى المشهد العراقي معقدا ويسوده نوعا من الترقب والحذر الشديدين فيما ستنتجه مفاوضات الكتل السياسية وما سيقدمه البرلمان الجديد للبلاد وللمشاكل العالقة ومنها تنفيذ المادة 140 من الدستور وقضية المصالحة الوطنية ومعالجة الفساد الذي استشرى بشكل مروع، مضافا لذلك هل سيكون بقدرة البرلمانيين صنع قوة جديدة داخل البرلمان بعيدا عن قياداتهم تحاول التغير نحو ترتيب جديد للوضع القادم والى ذلك الحين يبقى المستقبل للبرلمان مجهول بعد أن كانت بدايته متعثرة وهزيلة.
(*) مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث