أهل البيت(ع).. القدوة الصالحة والأنموذج الأمثل
|
*مرتضى الموسوي
لابد للإنسان أن يتأثر بسلوك الآخرين، وأن يقلدهم ويتأثر بأفكارهم وآرائهم، فمن خصائص الإنسان إنه يميل ميلاً طبيعياً إلى شخصيّة معينة يقلدها في فكره وسلوكه ويتخذها رمزاً في حياته وتصرفاته بحيث لن يتخلى عنها بسهولة.
وقد امر القرآن الكريم المؤمنين بوجوب اتخاذ القدوة الحسنة لتكون بالنسبة إليهم معْلماً عملياً يقتدون به ويقتفون أثره ويهتدون بهديه، فيما منع الإسلام أي طريقة أخرى في إتخاذ القدوة، وجعل من الضلال الكبير أن يتخذ الإنسان قدوة سيئة حتى لو كانت القدوة هي الأب أو الأهل أو العشيرة، حيث قال تعالى: "وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" (الزخرف/ 20-22).
وتكتسب القدوة أهميتها في التربية حيث أنها أفضل الوسائل جميعاً وأقربها إلى النجاح، فمن السهل تأليف كتاب في التربية، و من السهل كتابة منهج وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك على الأرض، أو بمعنى آخر، الى سلوك وتصرفات وأفكار، وقد أشار الله تعالى عبر آياته إلى هذه الحقيقة، حيث أنه لابد أن يحمل قلب الإنسان المنهج ويحوله إلى حقيقة لكي يعرف الناس إنه حق ثم يتبعوه لذلك بعث الله الرسل والانبياء كان خاتمهم الرسول الأكرم محمداً (ص) ليكون قدوة للناس، "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (سورة الأحزاب/ 21)، فبعد أن وضع الله تعالى الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته (ع) قدوة للبشرية كافة، وخصهم بالعصمة وجعل عملهم وأقوالهم ومواقفهم التي صدرت عنه سنّة واجبة الإتباع على الناس، وعدّهم الطريق إليه تعالى، فمن أراد الله بدأ بهم ويتحرك نحوه وفق هداهم، ولم يجعل طريقاً آخر سواهم.
وبذلك جاءت النصوص عنهم (عليهم السلام) صريحة، فليس اتباع طريقهم والإهتداء بهم دعوى يدعيها الإنسان فقط، وإنما هي العمل تبعاً لهداهم والإستنان بسنتهم، فقد روى جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: قال لي يا جابر أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلاّ من إتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والقادمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء... فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان مطيعاً فهو لنا وليٌ، ومن كان عاصياً فهو لنا عدو، ما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع.
إن معرفة سيرة الرسول الأكرم وأهل بيته (ع) أمر ضروري لمن يريد ان يعمل بسنتهم ويتخلق بأخلاقهم، وقد كتب العلماء والكتاب كتباً مطولة وتفصيلية بذلك، ونحن هنا لا نتمكن من الإحاطة بذلك، ولكن نحاول أن نذكر ما يتيسر لنا من آداب الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته وأخلاقهم، حتى تكون معالم عملية لنا، تُمكّننا من تطبيقها واتباعها.
الرسول الأكرم وأهل بيته والقرآن الكريم
كان الرسول الأكرم (ص) يربي أصحابه بالقرآن كما يروى عن عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من الصحابه أنهم كانوا يأخذون من رسول الله (ص) عشر آيات فلا يأخذون في العشر الآخر حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل.
وعن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): يا معشر قراء القرآن! اتقوا الله عز وجل فيما حملكم من كتابه، فإني مسؤول عن تبليغ الرسالة، وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي، و روي أن رسول الله (ص) قال لإبن مسعود: إقرأ عليّ قال: فافتتحت سورة النساء فلما بلغت "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا" (النساء/ 41)، رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي حسبك الآن.
و روى عن الإمام علي (ع) أنه قال: ينبغي للمؤمن أن لايموت حتى يتعلم القرآن أو أن يكون في تعلمه.
شذراث من السيرة
لقد وصف الإمام علي عليه السلام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في (نهج البلاغة) حيث قال: فتأسى بنبيك الأطهر الأطيب... إلى أن قال: قضم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً، عرضت عليه الدنيا عرضاً فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وصغّر شيئاً فصغره.. ولقد كان رسول الله يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبيد، ويخصف بيده نعله.. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر، وكذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده.
وقال (ع) أيضاً: وكان أسخى الناس لايثبت عنده دينار ولا درهم، لايأخذ مما أتاه الله إلا قوت عامه من أيسر ما يجد من الطعام والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لايسأل شيئاً إلا أعطاه ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى أنه ربما احتاج قبل انقضاء العام أن لم يأته شيء.
ويضيف (ع) عنه (ص) أنه كان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشأ من شبع قط ولم يمد يده إلى طمع قط، وكان رسول الله (ص) أشد حياءً من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه. وكان يبكي حتى يبتل مصلاه خشيةً من الله عزوجل من غير جرم.
وقد روى عن الإمام السجاد إنه جاء رجل فقال له: إن فلاناً قد وقع فيك وآذاك، قال: فانطلق بنا إليه، فانطلق معه، وهو يرى أنه سينتصر لنفسه، فلما أتاه قال له يا هذا إن كان ما قلته فيّ حقاً أسأل الله تعالى أن يغفره لي، وإن كان ما قلته فيّ باطلاً فيغفره الله لك.
وروى أنه لما استشهد علي بن الحسين السجاد (ع) وجدوا أنه يعيل مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه.
ويروى عنه (ع) أيضاً إنه كان له ابن عم يأتيه في الليل متنكراً فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول: لكن علي بن الحسين لايواصلني لاجزاه الله عنّي خيراً، فيسمع ذلك ويحتمله ويصبر عليه وهو لا يعرّفه بنفسه فلما مات (ع) فقدها، فحينئذٍ علم إنه كان هو، فجاءه إلى قبره يبكي عليه.
|
|