قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

اللاعبثية في الحياة الدنيا و الجزاء في الآخرة
*طاهر القزويني
الناس يوم الحساب ثلاثة أصناف: الصنف الأول هم الذين يدخلون الجنة من دون حساب والصنف الثاني هم الذين يحاسبون حساباً يسيراً وأما الصنف الثالث فهم الذين سيحاسبون على التقتير والقطمير، فأما الصنف الأول فهم السابقون للخيرات وأما الصنف الثاني فهم الذين اقتصدوا فخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وأما الصنف الثالث فهم الذين ظلموا أنفسهم باتخاذهم طريق الضلالة وواجهوا الله عزوجل بالعصيان والناس بالظلم.
ولاشك أن كل إنسان يرغب بأن يعرف نفسه من أي صنف أهو من الصنف الأول أم الثاني أم الثالث؟ وإذا لم يتوصل إلى نتيجة في التفكير في هذا الأمر فإنه على أقل التقادير يستطيع الآن أن يقرر من أي صنف يكون، فالله سبحانه وتعالى فتح طريقاً واسعاً لكي يسمو الإنسان ويرتفع ويحصل على أعلى الدرجات، فالله العزيز هو كريم ولايبخل على عبده الذي يطمع في الحصول على أعلى الدرجات في جنة الخلد.
في البداية اختار النية السليمة، فهذه النية هي التي تمهد للعمل الحسن، فهناك من ينوي أن يختم حياته بالشهادة، ومن ينوي أن يكون من جنود الإمام المهدي (عج) ومن ينوي أن يحفظ القرآن كله، ومن ينوي أنه لو رزقه الله مالاً سيكون كفيلاً لعدد من الأيتام، ومن ينوي أنه سيزوج العزّاب على حسابه الخاص، وهذه النيات تشد عزيمه القلب على العمل.
المهم، أن من يريد الإرتفاع والسمو فإن الطريق مفتوح للجميع عبر النية أولاً وثانياً وهو الأهم: العمل، لكن هناك بطاقة خاصة سيحصل عليها بعض الأفراد كتب عليها أنهم سيحاسبون حساباً يسيراً وهؤلاء ذكرهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حديثه: ثلاث من كنّ فيه حاسبه الله حساباً يسيراً وأدخله الجنة برحمته، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمّن ظلمك. (نور الثقلين، ج5، ص537).
وإذا عرفنا حقيقة الأهوال التي سيلاقيها الإنسان في الآخرة سنعرف أهمية هذه البطاقة التي يحصل عليها هذا الفرد، وبالطبع نحن لانستطيع هنا أن نصف أهوال يوم القيامة فهذا بحاجة إلى مجال أوسع، لكن هناك حديثاً للإمام الصادق (عليه السلام) فيه اشارة لتلك الأهوال وهو يقول: (إذا بعث الله عزوجل المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه كلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال المثال: لاتفزع ولاتحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله جلّ وعز، حتى يقف بين يدي الله جلّ وعز فيحاسبه حساباً يسيراً..) (تفسير نور الثقلين، ج5، ص538).
وأما الذين يدخلون الجنة من دون حساب، ولايرون الصراط ولاجهنم ولاشيئاً من ذلك فهم الذين لم يعصون الله في الخلاء وصبروا على اليسير من العيش وقد جاء ذلك في رواية عن الرسول الأكرم (ص) حيث قال (إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمون كيف شاؤوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم حساباً: فيقولون: ما رأينا حساباً، فيقولون:هل جزتم على الصراط؟ فيقولن: ما رأينا صراطاً، فيقولون لهم: هل رأيتم جهنم؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً فتقول الملائكة: من أمة من أنتم؟ فيقولون: من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فيقولون: نشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون خصلتان كانتا فينا فبلغنا الله هذه المنزلة بفضل رحمته فيقولون: وما هما؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه، ونرضى باليسير مما قُسم لنا، فتقول الملائكة: يحق لكم هذا. (تنبيه الخواطر، ص190).
ومن بين الذين يدخلون الجنة من دون حساب هم العاملون في سبيل الله وفقراء المؤمنين، والمتحابون في الله، والشهداء والذين جاهدوا وأو ذو في سبيل الله، وأهل البلاء والامتحان، وهم الصابرون.
وهناك فئة من الناس تدخل النار من دون حساب وهم الذين أشركوا بالله وأئمة الجور والكذابين من التجار والزناة من كبار السن والمتعصبين لعرقهم والحسدة من العلماء. لكن على أي شيء يحاسب الإنسان؟
فقد ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم (ص) وهو يقول: (لاتزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما ابلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت). (بحارالانوار، ج7، ص258).
ما أعظم رب العزة الذي جعل حتى الحساب والكتاب فيما ينفع الإنسان وما هو في مصلحته في الدنيا والآخرة وما يكون من مقتضيات الحكمة؟ فحتى لو يكن المرء يؤمن بوجود الحساب والكتاب فإنه لابد وأن تكون حياته نافعة وهادفة، وأن يسأل نفسه هل أفنى عمره بما هو نافع؟ وهل أبلى شبابه بالأمور التافهة؟ وهل تصرف بماله بشكل معقول؟
هذه الأسئلة يجب أن تبني حياة الإنسان وتوجهه نحو سلوك أفضل الدروب وتحقيق أفضل الأمنيات وبلاشك أن هناك فرقاً بين شخص يفكر في مستقبله وكيف يبني حياته بحيث تكون نافعة له ولمجتمعه وبين شخص آخر لايهتم بحاضره ولابمستقبله، ولايفكر بواجبه كونه إنساناً عاقلاً يتحمل قسطاً من مسؤولية الحياة.
إذا كان الحساب الأخروي يقوم على السؤال بشأن العمر والشباب والمال فيجب أن يكون هذا الحساب للدنيا قبل الآخرة، لأنه حساب منطقي ومعقول ولابد منه لكي تسير الحياة بشكل منطقي ومعقول، ولاتتجه نحو العبثية والإنفلات.
إن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نبني الحياة الدنيا ثم الآخرة بأفضل ما يكون البناء، وأن نعيش أفضل عيشة، وهذا الشيء يمكن أن يتحقق إذا شعر الإنسان بالدرجة الأولى بالمسؤولية تجاه عمره وأن يبذل كل جهده لأن يكون في هذه الحياة رقما، لا أن يأتي ويذهب من هذه الحياة دون أن يكون له تأثير فيها.