بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
مجتمع التواصي والنصيحة يصقل شخصية الأبطال
|
*إعداد / بشير عباس
لقد قدر الله سبحانه وتعالى الخليقة بحيث يُصلح بعضها بعضاً. فترى الماء – مثلاً- يصلحه الهواء، وذلك حينما ينبعث الماء من عين زلال ويسير على وجه الارض ثم يختلط بالهواء فيخلق منه نسيماً عليلاً رائعاً. وكذلك الحديد تصلحه النار، وهذا ما نلاحظه في وسائل النقل مثل السيارة التي نستقلها او الطائرة التي نركب على متنها، وغيرها من وسائل النقل والصناعات الأخرى، إنما هي حديدة أو مجموعة حدائد أصلحتها النار بالإذابة فصاغتها وحولتها الى أشكال وحالات متعددة، وكذلك الأشجار تصلح الأرض والأرض بدورها تصلح الأشجار، لكن من للانسان؟! ومن يصلح الانسان مما خلق الله؟
حسب الرؤية القرآنية فان الذي يصلح الانسان هو الانسان نفسه، فالناس يصلح بعضهم بعضاً، لنتدبّر في كلمة (الفتنة)، فهي مما تعنيه؛ المعدن الذي يوضع في النار كالحديد أو الذهب أو الفضة أو أي معدن آخر، وعندما تذيب النار هذا المعدن، وتخلصه من شوائبه،حينئذ تسمى هذه العملية في اللغة العربية بـ(الفتنة)، لذا يستخدم البارئ عزّوجلّ ذات الكلمة في ما يرتبط بالانسان ويقول سبحانه وتعالى: "وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً"، لكن كيف يكون ذلك والناس على أنماط وأشكال شتى؟
الجواب؛ وهو إن الله تعالى يخلقنا في البدء مادة خام على الفطرة، فلا هو إيمان كامل ولا كفر وجحود إنما حالة وسطى، إنما يخلق الله الانسان على الفطرة كما يقول سبحانه وتعالى: "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ" فالفطرة هي الحالة الطبيعية - إن صح التعبير- ومن هذه الحالة تبدأ عملية الإصلاح، فيخوض الانسان عملية توجيه و تزكية، فإذا بهذا الانسان شيئاً فشيئاً يتخلص من الرواسب ومن الجوانب السلبية في حياته من الكبر والعصبية والحقد ومن كل هذه الجوانب السلبية التي ترافقه في حياتنا الأخرى، وبما أننا لسنا أبناء هذه الحياة، فهي حياة وسطى وقبلها كنا في الأرحام وقبلها كنا في الأصلاب وقبل ذلك كنا في عالم الذر وقبل ذلك كنا في عالم الأشباح، فان رواسب وشوائب كثيرة لحقت بنا خلال هذه المسيرة الطويلة التي جرينا فيها، ولابد أن نتخلص منها، وعملية الخلاص هذه إمّا تتم بفعل فاعل وأما بتربية مربي وأما بتلاوة كتاب وأما بالتجارب اليومية للانسان، فالانسان يخرج من حالة الفطرة ليسمو الى الأعلى فيصبح مخدوم الملائكة، أما إذا انعكس الأمر فبدل أن يصعد، يهبط فيصبح أسوأ من الشياطين والحيوانات الوحشية، إذن؛ عملية تحوّل هذه الفطرة الى الخير والفلاح تتم من خلال الاحتكاك بالناس الآخرين.
مثالٌ على ذلك؛ حجر (العقيق) الذي يحرص البعض من المؤمنين على أن يتختموا به، لكن قبل أن يصل هذا الحجر الكريم الى يد الانسان كان ضمن مجموعة وكُتل حجرية بين الصخور، ولايمكن ان يتصور الرائي من بعيد أن من هذه الكُتل الحجرية والصخرية يخرج هذا الحجر الكريم بلونه البُنّي الجميل، وهذا يتم بعد سلسلة من المراحل والمعالجات بوسائل مختلفة حتى تنصقل الحجرة الصغيرة وتكتسب جماليتها وثمنها الكبير، وهذا ينسحب على سائر الأحجار الكريمة الأخرى مثل الفيروزة والياقوت والالماس وغيرها.
واذا كان لتلك الاحجار ثمنها وجماليتها، فان للانسان قيمى عليا أكبر بكثير من الذهب وأعظم من الفضة وأسمى من العقيق وأسمى من سائر الأحجار الكريمة، إلا إنه مخلوط بمجموعة من الاشياء الأخرى لابد من ازالتها بالصقل والاحتكاك ، فهو الذي يفصل المواد الاضافية ويزل الشوائب ويستخرج الجواهر من معدن الانسان، حينها نكون أمام إنسان نظيف وخالص بكل المعايير والمسمّيات. يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)، لكن السؤال؛ هل يوجد مصنع أو آلة معينة تصقل شخصية الانسان ونفسه؟! بالطبع كلا، لأن عملية الصقل الانساني تتم من خلال العلاقات التي يقيمها هذا الانسان مع أخيه الانسان، ومن خلال الاحتكاك الايجابي بالبعض الآخر.
ومن أهم وسائل الصقل الانساني هو التواصي بالحق والتواصي بالصبر الذي يوصينا به كتابنا المجيد، كما يوصينا بأن يصلح بعضنا الآخر بالنصيحة والموعظة الحسنة، وإن ينهى بعضنا عن المنكر ويأمر بالمعروف، وبهذه العملية تستخرج المعادن والنفوس الطيبة والاخلاق العالية والسامية، ثم تكون العاقبة والنتيجة هي رضوان الله تعالى وجنة الخلد، والحقيقة نقول: إن لكل انسان بيتاً في الجنة كما له بيتٌ في النار! ومنذ أن يولد الانسان يضع الله تعالى أمامه هذان البيتان ، يبقى عليه أن يكدّ ويجهد نفسه ليصل الى البيت الأول، بينما البيت الثاني – والعياذ بالله- فانه ليس بحاجة الى جهد وعناء، مجرد أن يهمل الانسان نفسه يدع الأمور تسير كما هي، فانه ساقط في ذلك البيت لا محالة!
وهنا يتجلّى السعي الى الجنّة وكسب الرضوان الإلهي، فهنالك الكثير من الناس يبذلون في هذه الحياة طاقات عضلية كبيرة ويصلون الليل بالنهار من أجل تحقيق طموحات وأهداف خاصة بالحياة الدنيا، مثل توفير العيش الرغيد له ولعائلته وهو حقٌ مشروع وأمر محبب، لكن أن يأخذ هذا الأمر كل جهد الانسان مادياً ومعنوياً، فهذا هو المحذور، جاء في الحديث الشريف : (إنما الدنيا عواري، والعواري مستردة ....)، بمعنى إن البيت والسيارة والثروة وحتى البنين بل حتى جسم الانسان ليس ملكاً للانسان، لأن بمجرد خروج الروح من هذا الجسم، فانها تنطلق الى العالم الآخر، ولا تحمل معها السيارة ولا الثروة والبيت وغير ذلك، إنما تحمل الأعمال الصالحة والجواهر التي استخرجها الانسان من باطن نفسه، الامر الذي يستدعي لأن يبذل الانسان جهده على الروح قبل الجسد، لأن الروح هي الباقية وتمثل الانسان في عالم البرزخ والقبر وفي يوم القيامة وعلى الصراط، وهذا مصداق الآية الكريم: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا" زكي نفسك " وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا".
هنالك حلقات في مسيرة التزكية والاصلاح الاجتماعي :
الأسرة بيت الإصلاح..
إن الأسرة بامكانها أن تتحول الى إحدى بيوت الرحمة الإلهية وإحدى بيوت العلم، ولتكن بيوتنا هي المقصودة في الآية الكريمة: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ"، و لنا نموذج واضح منّ الله تعالى به علينا، بأن جاء بالأنوار التي كانت محدقة بعرشه، الى هذه الدنيا وجعلهم في أجساد بشرية لنقتدي بهم، وهم محمد وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم)، وهي حقاً منّة كبيرة من الله بها علينا، فقد كانوا محدقين بعرشه، وكما جاء في الحديث: (... سبّحنا وسبّحت الملائكة كبّرنا وكبّرت الملائكة هلّلنا وهلّلت الملائكة)، هؤلاء أتى الله بهم وجعلهم في بيت ليقتدي به الاجيال عبر التاريخ بأهل هذا البيت ويتخذون منه نموذجاً للأسرة السعيدة والناجحة؛ هذا البيت بامكان كل انسان أن يصنعه ، وليس بالضرورة أن يكون التطابق بالشكل والتفاصيل الظاهرية، إنما بالجوهر والسلوك والاعمال.
بامكان الأب صاحب الأرادة أن يتوجه بالخطاب الى أولاده ويقول لهم: لندرس ونتذاكر العلم في هذا البيت، كما بامكانه دعوتهم لأداء الصلاة جماعة أو قراءة القرآن الكريم، بل بامكانه ترسيخ قيمة النصيحة والموعظة الحسنة داخل البيت وفي محيط الأسرة الصغيرة، ولي بالضرورة أن يكون الأب دائماً هو الناصح، فلا بأس من أن يفسح الأب و ربّ الأسرة المجال للانتقاد البنّاء والنصيحة من أفراد الأسرة حتى وان كان من فرد صغير في السن، فهذا من شأنه أن يزرع الثقة وينمّيها في النفوس، كما يعزز مبدأ الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، لا أن يبقى الأب متشبثاً بمنزلته العليا على أفراد الأسرة، حتى وأن بلغ أبناؤه سني الثلاثين والاربعين من العمر!
فيما مضى من الزمن كان الأب يذهب الى المحافل والمجالس مصطحباً ابنه معه، ليزدد وقاراً وثقة بالنفس عندما يشاهد تعامل الناس وتحركاتهم، فيتعلم أصول التعامل مع الاخرين، وفي البيت كان الأب أو الجد يسرد القصص على الأولاد في ساعات المساء، وهي تحمل لهم العبر والحكم والمواعظ، وهو ما نفتقده اليوم، حيث نجد الأولاد ملتصقين بالشاشة الصغيرة، ويتابعون برامج مختلفة ربما يكون الكثير منها سبباً لتخريب سلوكهم وتلويث نفوسهم، كما نجد الضجر والملل مسيطر على الكبار في العائلة، فهم يتوجهون فور وصولهم الى البيت الى الفراش ليستريحوا ويلقوا عن كاهلهم الجهد والتعب الذي بذلوه طوال النهار. وهذا ما يسبب لنا القطيعة الكبيرة من جيل وآخر، وبين مدرسة ومدرسة أخرى.
إن الفشل في تبادل الاحترام والتجارب والعبر بين أفراد الأسرة يؤدي الى الفشل في عملية الصقل الانساني، ومن هنا نعرف السرّ وراء هروب الشباب من البيوت الى الأندية والمراكز المختلفة، لأنه يجد نفسه هناك وليس في البيت، وربما يجد هنالك بعض الوعود المشبوهة وغير الدقيقة بالرقيّ والتقدم، وعندما يرى خلفه، يجد البيت والأسرة في مكان أدنى منه، فيحذر من العودة والاصرار على الانفصال والابتعاد وهنا تكمن المصيبة، ومن هنا تنشأ المشاكل والازمات الاجتماعية الخطيرة.
إن آخر شيء ينظر اليه الانسان قبل أن يخرج من بيته هو (المرآة) والسبب هو ان هذه الوسيلة تجعله يرى للمرة الأخيرة ظاهره كاملة بتفاصيله، وإن كان ثمة شائبة أو خلل يحرص على إصلاحه قبل الخروج الى الشارع لئلا يُعاب. هذه العملية أوصانا بها الاسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، على الصعيد الانساني، بأن يكون الانسان المؤمن مرآة لأخيه الانسان المؤمن، فأي خلل أو اشكال يكون في سلوك أو افعال الانسان المؤمن يمكنه اصلاحها من خلال تنبيه أخيه الانسان المؤمن الآخر وبكل سهولة وكأن شيئاً لم يكن. وبهذه الطريقة وضع الاسلام أحد أهم دعائم الحضارة المتمدنة والنموذجية، ألا وهي الاخلاق، وعندما لا نجد هذه الدعامة وذلك السلوك الذي كان عليه آباؤنا الأوائل ، يجب ألا نتعجب من الضياع والهزيمة والتراجع في كل شيء في محيطنا الاسلامي. ابتداءً من الأسرة – المجتمع الصغير- ومروراً بالشارع والاصدقاء والمجتمع الكبير ، لانجد حالة التواصي والموعظة ، بل ان كل انسان – في معظم الحالات طبعاً- هو مرآة لنفسه!! سواء كان في زوجاً داخل الاسرة أو أب مع ابنه أو موظف حكومي أو كاسب أو.... والقائمة تطول.
العلامة الحلي هو أحد علمائنا الكبار وكان مقيماً في الحلة، وفي سنّ الثانية عشر أو الثالثة عشر من العمر بلغ مرحلة الاجتهاد في الفقه ومن ثم أصبح مرجع تقليد، وكان الناس يسألونه عن مسائلهم الشرعية، أي ان أهالي الحلّة والمناطق الأخرى في العراق كانوا يرجعون الى أمور دينهم الى شاب يافع فيفتيهم ويحلّ لهم المسائل الشرعية بكل سهولة، لكن كيف وصل هذا الشاب اليافع الى هذه المرحلة ؟ وهل هي هبة الهية خاصة للعلامة الحلّي ؟ الجواب: نعم؛ هي هبة وتوفيق إلهي لمن يسعى لها، وليس لكل انسان، فهل تنتفع الأرض السبخة من الماء العذب النازل من المساء؟!
لقد كان المحيط الأسري للعلامة الحلي مساعداً وممهداً لأن يطوي مرحلة طلب العلم لمدة ثلاثين عاماً مثلاً بثلاث أو خمس سنوات ، فمن الصغر ومنذ الطفولة المبكرة كان يعيش العلم والبحوث الفقهية، ولم يكن بعيداً عن أجواء كهذه، وليس أدلّ على ذلك وجود خاله المحقق الحلي ذلك العلم الكبير في سماء الفقه الشيعي وصاحب أعظم وأهم كتاب علمي ودراسي في الفقه وهو (شرائع الاسلام)، نعم؛ كان العلماء يحولون بيوتهم الى مدرسة ليتعلم الأولاد من الكبار المسائل الشرعية ثم يتدرجون الى طلب العلم ويصبحون علماء.
ومثال آخر من التاريخ القريب الى حدٍ ما، ومن سامراء حيث كانت مركز الافتاء الشيعي في العالم ببركة وجود المرجع المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي، فقد كان له طفل رضيع ، لكن كان يطالب بأن يُحضر هذا الطفل الصغير الى دروس البحث الخارج ليناغيه بالبحث ! كذلك كان يفعل الكثير من العلماء، لمعرفتهم بمدى تأثير الأجواء المحيطة بالطفل حتى وإن كان في الأشهر الأولى من عمره. وهكذا أصبح لدينا علماء أفذاذ وفطاحل كبار سبروا غور العلوم الدينية بما فيما من التعقيد واللبس، ولم يدعوا مسألة وإلا وأوجدوا لها حلاً، في الفقه والأصول واللغة والعقائد والتفسير .
*المجتمع بحاجة الى أبطال
كما ان على الانسان أن يخوض عملية الصقل بينه وبين أخيه الانسان في المجتمع الصغير، فان هذه العملية يجب أن تتكرر على صعيد المجتمع الكبير، أي أن نحوّل المدرسة و المصنع والدائرة او اي مكان آخر، الى محيط معرفة، فلابد من تبادل المعارف والتجارب، فمن يعرف مسألة شرعية يجب عليه نشرها في المحيط الذي هو بأمسّ الحاجة اليوم اليها، وهو ما نلاحظه في الشارع وفي جميع مفاصل الحياة. وإلا كيف يعرف هذا التاجر وذاك الموظف وهذا الكاسب أو سائق سيارة الأجرة وغيرهم، المسائل الشرعية أو أية معلومة مفيدة أخرى؟ نعم؛ ربما يقول البعض: إن وسائل الاعلام تقوم بهذا الدور، لكن وسائل الاعلام لها قضيتها واهدافها وليس بالضرورة أن تحكي وتعالج جميع شؤون الناس ومشاكلهم، بينما المتجولون على الأرض من أفراد المجتمع هم المعنيون بأمر أنفسهم هم الذين يجب عليهم التواصي وتبادل النصح ليصقل بعضهم بعضاً.
فاذا تحقق هذا الأمر ، يمكن أن نطلق على هذا المجتمع بانه مجتمع رسالي، يقوي بعضه البعض الآخر، ويزكّي بعضه البعض الاخر، وحينئذ نكون في حالة تنامي مستمر، وهذا النمو ينفعنا في يوم "لا ينفع فيه لا مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم". وفي هذا المجتمع الرسالي ينمو الابطال، بل يكون هكذا مجتمع أشبه بعرين الاشبال الذي يتخرج منه الأسود، فالاسد لا يخرج من جحر إنما من عرين، إذن؛ لنحوّل مجتمعنا الى عرين والى مجتمع يربي رجال يصفهم القرآن الكريم: "... رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة"، أو الآية الأخرى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...".
ونحن اليوم في العراق بحاجة ماسة الى هؤلاء الرجال، حتى لانبقى نشاهد بكثير من الأسى والأسف مظاهر الفساد والانحرافات على الأصعدة الاخلاقية والمهنية، ثم إن أي حق كان ورائه مطالب في التاريخ، لم يضع أبداً، فاذا طالب المجتمع الرسالي بحقه فان الله تعالى عند وعده، ولن يخلف الله وعده مطلقاً، يقول في صريح الآية المباركة: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم" اما اذا تركنا الامور تجري كيفما كان، فان الأمور بالتأكيد ستؤول من سيئ الى أسوأ - والعياذ بالله-.
*من أسقط صدام ؟!
هنالك البعض يقول إن رئيس دولة (....) هو الذي أسقط نظام صدام وانقذ الشعب العراقي من جوره وظلمه، لكن حقائق التاريخ السياسي في العالم، والمعطيات الموجودة على الأرض في العراق تقول تنفي هذه المقولة، فان الذي كان السبب في إسقاط النظام الصدامي هي الانتفاضة الشعبانية المجيدة التي اندلعت في شهر اذار عام 1991م ، ففي تلك الأيام خرج الى الشوارع شباب عزّل لا يمتلكون الأسلحة المتطورة ولا الأسناد العسكري، ليقفوا أمام نظام حكمٍ كان بمنزلة الجدار الكونكريتي المدعوم والمسنود من قبل كثير من الجهات في العالم، لكن التحدي كان أكبر؛ فخرجت المجاميع الثائرة من البصرة الى كربلاء مروراً بالناصرية والديوانية والسماوة والنجف،بل ان كل مناطق الوسط و الجنوب شهدت انتفاضة جماهيرية عارمة، وأحدثت هزّة عنيفة في ذلك الجدار، وأثبتوا جدارة الشجعان وأظهروا حقيقة النفوس الأبية المنتقمة أمام كل العالم.
لكن السؤال اليوم؛ لماذا اختفى أولئك الأبطال من الساحة ، إن حياة بلا شجاعة ولا ايمان ولا استقامة تكون تافهة، ونحن درسنا في مدرسة ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) الذي قال: (اني لا ارى الموت الا سعاة ولا الحياة مع الظالمين الا برماً)، ليتحلّى رجال العراق بالشجاعة والاقدام، والرسول الاكرم يقول (ان الله يحب المؤمن الشجاع ولو بقتل حية). بينما بعض الناس يتصورون ان التقية بمعنى ان ينطوي الانسان على نفسه ولا يعمل ولا يسمع و...! فهذه ليس تقية ، فاذا كانت هذه تقية فلماذا قال أئمتنا (ع): التقية هي العمل السري والعمل بحكمة، والله تعالى يقول: "ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، بمعنى أن لايسكت الانسان،بل يتكلم وينتقد الخطأ من منطلق البناء والاصلاح، وليس بقصد الاقساد في النظام والامن الاجتماعي، فالامن الاجتماعي مهم ومطلوب ، لكن المهم أيضاً هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقويم الفساد.
إن الله سبحانه وتعالى ينصر ويؤيد عباده الأعزاء والأشداء الذين يأبون الباطل ولا يسكتون عن الخطأ والزلل، بل يخوضون غمار التغيير بالكلمة الطيبة وبالتي هي احسن، و الله سبحانه وتعالى اولاً: يأمرنا بان نسمع كلام النبي الأكرم (ص) واهل بيته، وثانياً: يأمرنا بان نكون مستعدين للقتال بين يديه، يقول تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً" (النساء /69)، والاية الأخرى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً" (النساء /71)، والنفر يعني القتال، لكن بالضرورة أن نخوض القتال في سوح المعارك دائماً ، لكن هنالك ساحة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الساحة بحاجة الى شجعان ورجال أشداء لا يتزعزعون ولا يتركون الساحة فارغة.
|
|