قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحكماء غرباء.. في بلادهم
يوسف الشهاب
لا صوت مسموع للحكماء ولا مكان للحكمة.. فقد اختفى (او يكاد) هذا الصوت وسط ضجيج وفوضى ساسة و نواب وكتل ومسؤولي الازمات ونجوم الانانية والتكبر، والردح الذي لا (يودي ولا يجيب)، ولا فائدة من ورائه سوى خلق مزيد من القلق والتوتر في بلد وشعب يبحث عن الاستقرار والطمأنينة والخدمات..
أن مثل هذا الصوت موجود بالفعل ، لكنه في كل الاحوال يبحث عن الذين يستمعون اليه، ويأخذون به. وربما هو صوت مبحوح لا يكاد يصل، لأن أصحابه يكاد يصيبهم أ اليأس والاحباط، ولم يجدوا سوى مقولة : ( لقد أسمعت لو ناديت حياً) . ولذا، فهم قد يشعرون يوما بإن عليهم أن ينأوا بانفسهم عن النصيحة بعد ان شعروا ان الكلام ضايع، وهواء في شبك، فمن يوجه اليه الكلام (إذن من طين واخرى من عجين) فـ (عمّك اصمخ ).. !؟.
على مدى سنوات ولغاية الآن ، رجال الحكمة عندنا كان الصوت عالياً منهم، يبدون النصيحة، ويعطون الرأي، ويبادرون الى السعي لمعالجة أي خلاف سياسي أو اجتماعي، يحملون المجتمع في قلوبهم، ومن أجله يسعون الى رأب كل صدع ، سواء بين الافراد أو الجماعات، أو طرف وآخر. إنه صنف باتوا يشعرون بالغربة في هذه الأيام، وكأن هناك من يعمل لكي يحجم اصحاب هذا الصوت ولينزووا بعيدا، ربما احتراما للنفس وصيانة للكرامة، بعد ان يشعروا انهم ينفخون في (قربة مخرومة)، بل ويُراد لهم أن شعروا أيضا انهم صاروا منبوذين ومبعدين، لأنهم قالوا ويقولون كلمة الحق والتوجيه والنصيحة، دون خشية من أحد الا الله تعالى. وهكذا أيضا ، أنظروا الى نواب الشعب اليوم، والمسؤولين في الحكومة والدولة، والى كل قطاعات المجتمع الاخرى على اي صعيد ، وتفحصوا رجال الحكمة والمشورة بين كل هذه القطاعات، حينها لن تجدوا سوى قلة قليلة من الرجال الذين يمكن ان يدلوا بالرأي وبشجاعة مطلقة لا يخافون فيها احدا . نعم، هؤلاء موجودون، لكنهم ـ وللاسف ـ صامتون، ليس خوفا أو حياء من قول كلمة الحق، بل لانهم يشعرون انهم في واد آخر، غير وادي الفوضى والردح الاعمى، ولاسمح الله الضياع الى المجهول الذي قد نعاني منه اذا استمرت الاحوال على ماهي عليه..
الحكمة والنصيحة لا تصنع الرجال.. بل هم الذين يصنعونهما بأدائهم وتوجيهاتهم ونصائحهم التي استقوها من بصائر دينهم ، ومن تجاربهم وخبراتهم ومواقفهم التي مروا بها، او كانوا ضمن أحداثها... لكن الفارق هو بين أن يجد الحكماء من يستمع إليهم ويشكرهم على النصيحة ، او لايجدون سوى اذان يكاد ان يكون فيها صمم، بعد ان اسكر البعض فتات مناصب وكراسي وسلطة زائلة، و استغشى رواد الصراخ والأزمات ثيابهم واستكبروا استكبارا وشعروا بأن النصيحة فيها انتقاص لهم، ولم يدركوا قيمة هذه النصيحة، وابعادها ونتائجها على وطننا ومجتمعنا. مصيبة وطامة كبرى أن يكون الحكماء وذوو الرأي عندنا غرباء، واستثناء ، أما سماسرة السياسية والسلطة والفساد و الفوضى وعشاق الردح والرقص على حبال التخبط و التوتر والقلق والاحباط، فيكادون أن يكونوا القاعدة اليوم.. أسفي على أمة لا تعرف قيمة الحكماء فيها ولا تسمع إلى الحكمة منهم.