بين التخطيط والتخبط
|
محمد الحسيني
من الطبيعي أن يعمل الناس في أي مجتمع على تأمين معيشتهم وحياتهم والتفكير ليس في حاضرهم فحسب وإنما النظر إلى المستقبل إما من خلال التمنيات عند البعض أو من خلال التخطيط والإعداد عند من تتوفر له الإمكانية والقدرة الفكرية والعملية لهذا الأمر، وهذا ما يوجد التمايز والفرق بين المجتمعات في تقدمها واستشرافها للمستقبل فمن يفكر بعيداً ويخطط بشكل جيد فإنه لا يكسب حاضره فحسب وإنما يمتلك المستقبل أيضا ولذلك فان الدول التي تفكر في المستقبل تتحدث عن صورة بلدانها بعد 20 سنة من الآن وكيف ينبغي أن تكون عليه على كل صعيد، وأصبحت هذه القضية من الأمور التي تعتبر من الثوابت المرتبطة بالسياسات الإستراتيجية في منظومات الحكم والسياسة في الدول المتقدمة خاصة في ظل الصراعات والتحديات السياسية والاقتصادية المحمومة في عالم لا يرحم.
ومع أننا ننتمي إلى دين قويم ومتين يغذي روح أتباعه بثقافة راقية تقوم على أسس أخلاقية راقية فيدفع باتجاه العمل والسعي فيقول ربنا عز وجل: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى"، وينمي فيهم روح التنافس من خلال الآية القرآنية "خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" ، ويدعوهم للمبادرة والسبق من خلال قول ربنا عز وجل "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ"، وفي قول جميل للإمام علي عليه السلام : "من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهم ملعون ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو إلى نقصان ومن كان إلى نقصان فالموت أولى به" .
والكثير من الرؤى التي تدعونا لتقديم الأفضل إلا أننا لا نرى انعكاساً لذلك على أرض الواقع وربما يعود السبب والله العالم إلى أن الكثير منا لا يأخذ بأسباب العلم والمعرفة التي غذتها ثقافة الإسلام أو أنه يتعصب لما يؤمن به من أفكار ونظريات. وواقع الحال في بلادنا ينبئ عن العقلية التي تتعاطى مع الأمور على كل صعيد إلى درجة أن هناك شكا في أنه هل يوجد تخطيط في بلادنا يستشرف المستقبل من أجل معالجة قضايا مستفحلة تسببت ولا تزال في حصول أزمات دائمة وحالة من الشك والتذمر والسخط عند الناس.
في ظل الصراعات وتخبط السياسات والبرامج والمواقف من قبل الكتل السياسية والاحزاب، وبالتالي حكوميا وبرلمانيا، ايضا، و من خلال أرقام وحقائق عملية لهذا التخبط يعاني منها الناس على أكثر صعيد، فإن من حقهم أن يتساءلون عن أزمة التخطيط لحاضر البلد؟ فضلا عن استشرافات المستقبل الموعودة ؟، أين حكمة التخطيط والتنفيذ؟. قد يمكن للبعض أن يبرر مثلا اعتبار وجود "بالوعة" للصرف الصحي بين مدرسة ابتدائية ومستوصف صحي غلطة مطبعية غير مقصودة، ولكن هل يمكن تبرير كل هذه الحقائق بأنها مجرد أخطاء بسيطة غير مقصودة ، أو أنها كارثية، اترك الحكم القارئ لكي تكون مشاركا أصيلا في الموضوع. والله من وراء القصد.
كان رئيس دولة الامارات زايد يقول: "إنني أفكر أن أؤمن لشعبي أن يكون في القمة اليوم ، وليس في المستقبل". !
|
|