مع غياب المعالجات السريعة لأزمة السكن
فلاحو كربلاء يبيعونَ أراضيهم الزراعية لجمع الثروات ومسؤولون يصفونه بالكارثة
|
كربلاء المقدسة/ علي الجبوري:
فقدَ الفلاح سالم الحميري حنينه إلى أرضه الزراعية الواقعة في مركز مدينة كربلاء المقدسة ، وحلّ ذلك اليوم المشؤوم الذي قتل فيه كل نخيلها وأشجار الرمان والبرتقال والتين التي طالما أطعمته وأدخلت عليه الرزق المبارك، حيث وجد، مثل كثيرين غيره، مصلحته الشخصية في تفتيتها وتحويلها إلى أراضٍ سكنية ومرائب سيارات تغدق عليه بالملايين، التي أطفأت فيه فتيل الحنين القديم إليها.
يوضح الحميري أنه اليوم "يتمتع بمكانة اجتماعية كبيرة"، بين عائلته وأقاربه لما يملكه من ملايين الدنانير، التي لم تعد في نظرهِ "وسخَ الدنيا كما كان يقال قديماً"، فأصحاب الأراضي الزراعية اليوم هم من الطبقة الأرستقراطية الكبرى في العراق، ولم تعد تلك الأرض المعطاء غالية على قلوبهم.
وتواجه محافظة كربلاء ظاهرة فتاكة أكلت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخضراء، بعدما تحوّلت إلى أراضٍ يباب تملؤها المساكن العشوائية، دون موقف وعلاج حكومي مجدٍ إزاءها، حتى إن بعض المسؤولين الكبار في العراق اشتروا هذه المزارع وحوّلوها إلى مشاريع استثمارية تعود بالأرباح الخيالية عليهم، كما يقول المواطن أحمد الباوي، الذي يضيف أن ، "الكثير من الفلاحين وأصحاب الأراضي الزراعية في كربلاء أقدموا على تفتيتها وبيعها بدلاً من زراعتها، بعدما قل الدعم المقدّم لهم من الدولة، وكان عليهم أن يعتاشوا على تقسيمها وبيعها مقابل أسعار عالية جداً تضمن لهم الرفاه الاقتصادي الجيد".ويؤكّد انّ "مدينة كربلاء الجاذبة للزوار والسيّاح من كل أنحاء العالم أصبحت ذات أراضٍ خيالية الثمن، وهو ما دفع الكثير من الفلاحين إلى بيع أراضيهم لكسب الملايين بدلاً من المكسب المادي القليل الذي كانت تدره عليهم محاصيلهم الزراعية، مع ما يواجهون من قلة الدعم الحكومي وإغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة".
ويشير أحد أصحاب الأراضي الزراعية المجاورة لمقام الإمام المهدي (عج)، في مركز المدينة، ويدعى منير محمّد ، الى انّ "الزراعة لم تعد مصدر ربح بعد اليوم في العراق، ولا تجلب للفلاحين غير المعاناة، وكان لابدّ للبعض من بيع أرضه الزراعية وتحويلها إلى فنادق وبيوت سكنية تدرّ عليه بالأرباح الكبيرة".ويتابع محمد الذي باع قسماً من أرضه الزراعية بعد عام 2003، "استطعت الآن أن أعيش حياة مرفّهة وضمان مستقبل أولادي، ويمكن أن أقول انني من أصحاب الملايين وينظر الناس لي باحترام، وليس فلاحاً بسيطاً يحرث في أرضٍ قاحلة". حسب تعبيره.
فيما يوضّح المواطن أبو رافد انّ "بيع الفلاحين لأراضيهم الزراعية (البستنة) وفّر فرصة كبيرة للكثير من العوائل العراقية بشرائها وتحويلها إلى أراضٍ سكنية بأسعار أقل ثمناً من الأراضي الصرف،الطابو". ويضيف، "يستطيع أي شخص اليوم شراء قطعة سكنية (بستنة) وبأسعار تختلف من مكان لآخر، فالكثير من الأراضي الزراعية في كربلاء قد تحوّلت إلى أراضٍ سكنية يتلقّفها المواطنون من كربلاء وخارجها". ولم يخف أبو رافد خوفه من إزالة بيته السكني الذي شيّده بطريقة غير أصولية على أرضٍ زراعية كان قد أشتراها قبل سنتين، خصوصاً إن هذه الأراضي غير منتظمة ولا تدخل تحت تصرف الدولة، وهنالك الكثير من المواطنين من وقع فريسة بيد مايشبه مافيات العقارات، تبيع هذه الأراضي غير الأصولية لأكثر من شخص ليدخل بعد حين مشتروها في عراك لا ينتهي، إلا بالموت في بعض الأحيان.
ومما يلفت للنظر أيضاً انّ مركز مدينة كربلاء لم يشمل وحده بقتل الأراضي الزراعية وإنما تعدّى إلى مساحات شاسعة من البساتين والمزارع المنتشرة في أنحاء المحافظة، وخاصة ناحيتي الحر وعون وقضاء طويريج الذي يضمَ ملايين الدونمات من الأراضي الصالحة للزراعة.وقد ولّدت عملية بيع أراضي البستنة إلى تحوّل كربلاء لأحياء عشوائية تخلو من الخدمات الضرورية لساكنيها وسط صمت حكومي لما يحدث بالثروة الزراعية في المحافظة التي لم تشهد مثل هذه الظواهر من قبل مثلما تشهده اليوم. و يعزو البعض اسباب تفتيت الاراضي الزراعية وبيعها كأراض سكنية، وبأسعار مغرية، الى عدم وجود خطة مبكرة وواسعة من قبل الدولة كان بإستطاعتها أن تقوم عبرها بتوزيع اراض سكنية على المواطنين من خلال تخطيط وتقسيم الاراضي البور الواسعة التي تحيط بإطراف المحافظة، لغرض معالجة ازمة السكن المستفحلة، مما كان سيسهم في الحد من توجه الناس الى شراء قطع اراض للسكن في مناطق زراعية جرى ولايزال تفتيتها وبيعهات لهذا الغرض، فيما يقول رئيس اللجنة الزراعية بمجلس محافظة كربلاء، ستار العرداوي انّ "الحكومتين المحلية والاتحادية عجزتا عن إصدار القوانين التي تحرّم تفتيت الأراضي الزراعية التي تعد سلة المحافظة ومتنفسها، حتى تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى دور سكنية كلّفت كربلاء خسائر مادية لا تعوّض". ويكمل العرداوي حديثه بالقول "هذه الظاهرة أصبحت مشكلة حقيقية تواجه المحافظة، وهي في تزايد مستمر دون أي رادع حكومي تجاهها"، مضيفاً انّها "مخالفة قانونية وجريمة كبيرة بحق هذه الثروة الطبيعية".
|
|