آية النجوى.. لم تنزل إلاّ لرجل واحد...!
|
*مرتضى محمد
كنتُ أقرأ في الأحاديث الشريفة أن القرآن الكريم نزل في ثلاثة أثلاث: ثلث في الأئمة الأطهار سلام الله عليهم، وفي عدوهم، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام وما كنت أستوعب ذلك بشكل جيد. إذ ما معنى أن يكون ثلث القرآن نزل بحق الأئمة الأطهار سلام الله عليهم وفي عدوهم؟ والحال أن القرآن الكريم لم يذكر حتى أسماء الأئمة؟ ولم يسجل تاريخهم؟ ولم يكتب مواقفهم؟!
هذه المسألة محيرة وهي بحاجة إلى المزيد من البحث والتحقيق حتى نصل إلى الجواب الشافي بشأنها، وربما احتاج الأمر إلى عدد من الكتب أن تكتب وتؤلف في هذا المضمار حتى نصل إلى الحقيقة التامة.
لكننا في هذا المقام سنكتفي ببعض المؤشرات القوية التي تكشف الجانب الأهم من تلك الحقيقة، ونتساءل في بداية الأمر بأن عدم ذكر اسمائهم عليهم أفضل الصلاة والسلام هل يدل على معارضة نزول ثلث القرآن بحقهم وبحق أعدائهم؟
عدم ذكر الأسماء لاينفي نزول ثلث القرآن بحقهم، فالكثير من الآيات الكريمة التي نزلت بحق فلان وفلان، لم يذكر الله سبحانه وتعالى أي واحد من أسمائهم، وفي مثل هذا ما لايعد ولا يُحصى. فعدم وجود الأسماء لاينفي كونهم المقصودين من الآيات الكثيرة التي نزلت على قلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هذا بعجيب، فكل الآيات التي تحدثت عن المؤمنين كانت تعنيهم صلوات الله عليهم وسلم، وذلك أنهم كانوا المثل الاعلى للإيمان، وبطبيعة الحال فأن أي حديث عن المؤمنين هو يعنيهم في بادئ الأمر ويشملهم الموضوع.
عن مجاهد قال: قال علي عليه السلام: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولايعمل بها أحد بعدي (وهي) أية النجوى.. كان لي دينار فصرفته بعشرة دراهم وكنت كلما أردت أن أناجي النبي صلى الله عليه وآله تصدقت بدرهم فنفدت الدراهم ونسخت الآية ولم يعمل بها أحد قبلي ولايعمل بها أحدٌ بعدي.
وكان صاحب البحار العلامة المجلسي رحمة الله عليه قد نقل في كتابه ما أورده الثعلبي والواحدي وغيرهما في أسباب نزول أية النجوى. وهو ما يتضمن التأكيد باتفاق المسلمين على نزولها بحق اميرالمؤمنين سلام الله عليه وجاء في ذلك: أورد الثعلبي والواحدي وغيرهما من علماء التفسير أن الأغنياء أكثروا مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وغلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك واستطالة جلوسهم وكثرة مناجاتهم، فأنزل الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ" (المجادلة /12) فأمر بالصدقة أمام المناجاة، وأما أهل العسرة فلم يجدوا، وأما الأغنياء فبخلوا، وخفّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وخف ذلك الزحام وغلبوا على حبه والرغبة في مناجاته حب الحطام واشتد على أصحابه فنزلت الآية التي بعدها راشقة لهم بسهام الملامة، ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الاقدام ثم نسخت تلك الآية بآية "أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ" (المجادلة /13).
وفي هذا المعنى قال إبن عمر: (ثلاث هن لعلي عليه السلام لو أن لي واحدة منهن كانت أحب إليَّ من حمر النعم: تزويجه بفاطمة، واعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى). (كشف الغمة، 48)
وكانت آية النجوى واضحة التحريم في تكليم المسلم والمسلمة الرسول الله صلى الله عليه وآله من دون أن يسبق في ذلك إلى الصدقة فإذا تصدق المسلم جاز له أن يدخل على النبي صلى الله عليه وآله ويبوح له بما يشاء من الكلام، لكنهم بخلوا بمالهم فذكر الله بخلهم في الآية الناسخة "أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا..." ما عدا أميرالمؤمنين سلام الله عليه الذي سجلّ في القرآن والتاريخ إنه الوحيد الذي يستحق أن يكون من الذين يناجيهم رسول الله (ص) فهو قد بذل كل ماله الذي كان ديناراً في سبيل مناجاة الرسول فأصبح هو الشخص الوحيد بهذه الآية والوحيد العامل بها قبل نسخها.
ولو كانت هذه الآية وحدها لعلي عليه السلام لكفته فخراً وجلالاً وعظمة، لأنها كانت تحمل دلالات كثيرة، ومنها على سبيل المثال:
1- كان عليه السلام أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2- كان عليه السلام أكرم المسلمين جميعاً بدليل الآية، والصدقات التي قدمها من دون المسلمين.
3- كان الإمام عليه السلام أسبق الناس عملاً بالقرآن الكريم.
4- خفف الله سبحانه وتعالى بالإمام علي عليه السلام عن كافة المسلمين.
فبالصدقة التي قدمها أميرالمؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام رفع الله سبحانه وتعالى الصدقة عن المسلمين لمن يريد اللقاء والحديث مع النبي الأعظم (ص) وكان سبباً للتوبة من الله على المسلمين، فلو لم يعمل بهذه الآية؛ أحد من المسلمين لأنزل الله عليهم العذاب جميعاً لأنهم تركوا العمل بالقرآن.
ومن المهم أن نستائل ونقول ما هي الكلمات التي تحدث بها أميرالمؤمنين سلام الله عليه مع النبي الأعظم؟
والظاهر من روايات أهل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة والسلام أن الإمام علي عليه السلام سأل النبي عن أمور علمية في الإيمان والعقيدة والفكر وفي الرواية: روى إبراهيم بن محمد في فرائد السمطين باسناده عن علي عليه السلام إنه ناجى رسول الله عشر مرات بعشر كلمات قدمها عشر صدقات، فسأل في الأولى:
مالوفاء؟
قال: التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله.
ثم قال: وما الفساد؟
قال: الكفر والشرك بالله عزوجل.
قال: وما الحق؟
قال: الإسلام، والقرآن والولاية إذا إنتهت إليك.
قال: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة.
قال: ما عليَّ؟
قال: طاعة الله وطاعة رسوله.
قال: وكيف أدعو الله تعالى؟
قال: بالصدق واليقين.
قال: وما أسأل الله تعالى؟
قال: العافية.
قال: وماذا أصنع لنجاة نفسي؟
قال: كل حلالاً وقل صدقاً.
قال: وما السرور؟
قال: الجنة.
قال: وما الراحة؟
قال: لقاء الله تعالى.
فلما فرغ نسخ حكم الآية." (بحارالانوار، ج35، ص383).
|
|