آيات العقل وآثاره
|
*صلاح عباس
العقل أول دلائل الأعجاز الإلهي حيث هو الحجة الباطنة التي توازي الحجة الظاهرة المتجسدة بالرسل والأنبياء. لذا فالعقل إنما هو نور يميز به الإنسان الرشد من الغي، والخير من الشر، والممكن من المستحيل، والحق من الباطل، وبه يعرف الحسن والقبح والخير والشر وما الى ذلك. ولكن ربما يفقد المرء عقله سريعا عند الغضب ويفعل السوء لأن سورة الغضب تطفي جذوة العقل، ونشوة الشهوة تذيب وقار العقل.
وقد جاء في الحديث الشريف: (زوال العقل بين دواعي الشهوة والغضب)، لذا فأن المرء ما أن يفيق مما هو فيه من شهوانية النفس وثورة الغضب تراه لائما لنفسه متحسراً على ردود فعله غير المنضبطة، وفي النهاية يرجع الى ذاته ويسكن الى نفسه ويثق بفكره ويتذكر ثم يهتدي الى سبيل سوي بإرادة ذاتية نابعة من سكينة عقله المتحرر من قيود الغضب ودرن الحياة .
ولأن الإسلام دستور دين ودنيا، كان لابد له من أن يكون البلسم الناجع الذي يبلسم منغصات حياة بني الإنسان، لذا تراه عبر جليل قول الرحمن مرة، وعظيم قول النبي الكريم تارة اخرى، يذكر الإنسان بعقله وعظمة تفعيله وإعماله بدلاً من تثبيطه وإهماله، مرغباً له بأن يزيده قوة الى عقله بالتذكرة والبصيرة
وبإعطائه الثقة الكاملة في كشف الحقائق الغيبية والتأمل بآيات الله سبحانه وتعالى باعتبار أن العقل يدعو الى المثل العليا، ويندب إلى الخير الأبدي ويفضله على الشهوات العاجلة .
لذا ترانا نتلمس عمق الترابط بين الدين كحالة إعتقادية وبين الفكر والعقل كحالة ذاتية من خلال الحديث النبوي الشريف: (أصل ديني العقل) وبذلك فأن العقل إنما هو عقال للنفس البشرية، والجامع المانع الحاكم المتحكم بمستقل الأنسان كحالة فردية مرة، وأخرى كمجتمعات وأمم.
ومن هذه النقطة نستحضر آيات - معجزات- العقل ونقتفي آثاره:
الآية الأولى: معرفة المستحيل، لان مدى تصور العقل للأشياء الملموسة محدود، في حين تراه للغيبيات ذا تصورات غير محدودة تاركاً لخيول أفكاره الجموح حيثما يندفع العقل، ومن آثار هذه الآية أو المعجزة إنكاره للمستحيل برمته وعدم تعقله.
الآية الثانية: أن العقل كشاف للإنسان عن وجوده لأنك إذا حدثت إنساناً عن شيء غير معقول فصدقك فهو دليل على أنه لا عقل له، فللعقل استكشاف ذاتي واستقراء منطقي لوجوده عن طريق التذكرة من خلال آثارها المتجلية في وجدان الحقيقة والمميزة له بين الباطل والخرافات المبتدعة عن سمو الغايات الأخرى لأن غاية التذكرة عودة الإنسان الى عقله، حيث قال الله سبحانه وتعالى: "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (الأنبياء /10).
الآية الثالثة: تمكين الذات من تحديد الحب واستعلاءها (هوى النفس)، وبذلك فأن القرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حيث يقول جل شأنه: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" (النازعات /40-41)، فتلك هي الأهواء التي طالما ذكرنا بها الإسلام قرآنياً حيث انها تكون دافعة الى تضليل الإنسان قاضية على العقل كله، مودعة النفس في ظلمات ما فوقها ظلمات، وآثار حظر هذه الأهواء والشهوانية المفرطة وتسخيرها في صالح الأنسان هي إحياء الضمير والوعي بالمسؤولية وترك الأنانية.
الآية الرابعة: بيان الحكمة والتثبيت من الأمور في كل أحوالها بالتفكير المنهجي السليم والتذرع بالوسائل العلمية اللائقة، والمضي على طريق الخير وهنا يحكم العقل عليه بأن يتثبت ولا يعجل في الحكم والتجنب من أخطاء التسرع.
ومن آثار آية العقل ايضاً، إحقاق الحق والعدل ومعرفة حدود الله، وخير دليل على ذلك وقوف سيد الشهداء أبي الأحرار الحسين بن علي عليه السلام في موقف الحكمة البالغة والعقل النيّر ليلقي الحجة الراجحة على أولئك الذين فسدت عقولهم وغابت عن منطق الحق فكان دمه الشريف نبراساً للأمة .
وفي القرآن الكريم ما هو أغنى وأوفر: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة /15- 16).
وهكذا تتظافر النصوص الإسلامية على بيان آيات العقل وآثاره لكي تكون تذكرة إليه ويقظة له من الداخل، فليس هناك أي حقيقة يمكنها أن تكشف العقل لنا دون العقل ذاته، والعقل لا يمكن معرفته إلا بالتذكرة الى آثاره والتنبه الى مغانمه ومحاسنه .
|
|