قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

العاطفة في البيت. . لا ندعها تهرب من الشبّاك
*سعد مغيمش الشمري
(العاطفة)... حالة فطرية أودعها البارئ عزّ وجلّ في نفوسنا لتكون وسيلة للتقارب والتحابب لما فيه الخير والصلاح وإدامة الحياة، إذن؛ هي نعمة عظيمة لولاها لكانت الحياة للبشر أشبه بالغابة، ومن أبرز تجليات العاطفة والحب المتبادل نجدها في الحياة الزوجية الناجحة والقائمة على الموازين الاخلاقية والفطرة الانسانية التي أكدها القرآن الكريم في الآية المباركة "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم /21). فعندما تكون المودة والمحبة بين الزوجين آية من آيات الله تعالى في الأرض، مما يدلل أهميتها وعظمتها في عالم الخلقة. يكون علينا عرفان هذه النعمة والعمل على تكريسها في النفوس.
مصدر العاطفة
بما ان الحب والودّ في الحياة الزوجية مسألة اكتسابية، بمعنى ان هذه العلاقة لم يكن لها أي وجود – في معظم الاحوال طبعاً- قبل الزواج، وإن هذا الرباط المقدس هو الذي يوجد علاقة الحب والمودة المتبادلة بين الرجل الزوج والمرأة الزوجة، فان هنالك عوامل أو لنقل نوافذ يمكنها ان تثير في الانسان دوافع العاطفة إزاء الطرف المقابل، لذا كان الواجب علينا أن نأخذها من الثقافة الاسلامية الصحيحة التي تضم في منظومتها جملة من المفاهيم والقيم الاجتماعية والأسرية، كما علينا في الوقت نفسه، أن نقف بحزم أمام الثقافات الأخرى التي يبدو ظاهرها جميلاً وجذاباً ويدعو الى التعاطف والتوادد، لكن مؤداه الى التحلل الاخلاقي والتسيّب.
ومن أهم وسائل التلقي اليوم هي القنوات الفضائية، فضلاً عن بعض وسائل الاعلام الاخرى مثل الصحف والمجلات، لكن علينا ان نعلم أن التزود بالثقافة في مجالاتها الدينية والسياسية والاجتماعية، لن يكون إلا بالتوسل الى الكتب و الندوات والاعلام والهادف والملتزم الذي يقدم الفكرة الاصيلة وليست الدخيلة على المجتمع وتقاليده. واليوم نعيش في عصر انفجار معلوماتي هائل في مختلف المجالات، فاصبحت المعلومة متوفرة وبسهولة عند مقعد الجلوس وفي الغرف المغلقة...! وبات البعض لا يقتصر على القنوات الفضائية المتعددة، بل سعى للحصول على شبكة المعلومات العنكبوتية (انترنت) في بيته. لكن لايعلم صاحب كل هذه الثروة المعلوماتية بانه يكتسب المعلومات المختلفة من العالم ويفقد في الوقت نفسه النعمة الإلهية العظيمة التي وهبها إياه في داخل أسرته وغرفته وهي: العاطفة النظيفة، لنقل انه يشاهد – مثلاً- فيلماً سينمائياً يُدعى انه (عاطفي)! لكنه بالحقيقة انه يستورد هذه العاطفة الكاذبة الى ذهنه و روحه ويطرد من قلبه العاطفة النقية والجميلة الموجودة ا لى جانبه.
هذا من جانب ومن جانب آخر فان ما يشاهده البعض يستهدف ليس فقط العاطفة بين الزوجين، بل حتى العاطفة بين افراد الأسرة، لننظر الى أطفالنا الصغار أيام الاعياد الماضية وماذا كانوا يحملون في أيديهم وهم يرتدون الملابس الجديدة مبتهجين بالعيد السعيد؟ كان معظمهم يتمنطق المسدس تحت سترته او يحمل رشاشاً من فئات مختلفة وهم يتجولون شاهرين اسلحتهم فرحين وهم في ذلك يقلدون الابطال الوهميين في المسلسلات التلفزيونية، فكيف لهذا الطفل الذي لبس الجديد يوم العيد وحشّا جيوبه بـ (العيدية) و (الجكليت) ان يوفق بين كل هذه المظاهر العاطفية وبين الاسلحة التي يحملها بحجة اللعب واللهو؟ طبعاً لا مجال للمقارنة والتوفيق، لذا نجد الحالة العاطفية تنسحب بعض الشيء من اطفالنا كما هي منسحبة بالشيء الكثير من كبارنا، بسبب قسوة القلب وضياع العاطفة الحقيقية الصادقة أمام الشاشة الصغيرة.
خسارة الأسرة
قلنا آنفاً إن اساس الأسرة السعيدة والزواج الناجح وجود العاطفة السليمة المبتنية على ثقافة أصيلة واخلاق سامية، وهذا بحاجة الى شحذ مستمر وإغناء في النفوس والقلوب، لكن اذا انصب الاهتمام على الشاشة الصغيرة او على (الانترنت)، فهل سيبقى وقت لتبادل العواطف بين الزوج و زوجته، او بين الزوج وابنائه؟ فالرجل بحاجة الى من يخفف عنه متاعب العمل لدى دخوله البيت – مثلاً- وكذلك المرأة لها حقها من الرجل بعد غياب طيلة النهار، فالمطلوب أن يحسّ كلٌ بالآخر الى جانبه، وان تزداد مشاعر الاحترام المتبادل، بالرغم من ان الكثير يحمل تصوراً مغلوطاً بان احترام الرجل لزوجته باسداء الشكر لها بعد تقديم الطعام او غسل الملابس او أي خدمة تقدمها خارج عن واجبها، هو مدعاة لنقص الهيبة والمنزلة للرجل، بينما العكس هو الذي يسبب الخسارة الكبيرة للرجل وكذلك الحال بالنسبة للمرأة اذا فعلت الشيء نفسه.
قبل الختام لنا ان نذكر قصة من الواقع حصلت لدى أسرة يفترض ان تكون ملتزمة بالتقاليد والاعراف الاجتماعية، فقد كان ربّ الأسرة وقبل ان تقتحم القنوات الفضائية و(الانترنت) العراق وشعبه، من الملتزمين بالفرائض وقراءة القرآن الكريم، بل كان يستغل فرصة إضاءة الشارع ليلاً ليقرأ القرآن حتى مطلع الشمس... هذا الالتزام الديني لم يدم طويلاً، لأنه غاب منذ فترة عن هذه الظاهرة، فلا أحد يراه يقرأ القرآن الكريم ولا يخرج الى الناس إلا نادراً، وعندما سألوا أولاده عن السبب وما اذا كان مريضاً او يشكو من شيء، فقالوا لا هذا ولا ذاك، إنما السبب في (الانترنت) الذي كبّله في البيت، فمنذ اللحظة الاولى لمجيئة من العمل وحتى الساعات المتأخرة من الليل يتسمّر أمام شاشة (الانترنت) وينقطع عن العالم المحيط به نهائياً...!
نعم؛ نحن نؤيد الاستفادة من كل وسائل الاتصال والاعلام من قنوات فضائية و(انترنت) وايضاً الهاتف النقّال بكل تحديثاته وامكاناته، ولكن؛ يجب ان يكون كل شيء في محله و وقته، فلا يكون شيء على حساب آخر، ويجب ان تأخذ الأمور الاساس مكانتها في حياة الانسان مثل التزاماته الدينية والاخلاقية والاجتماعية، بل ان يجعل كل هذه الوسائل جسراً يحقق من خلاله النجاح في تلكم الالتزامات لا أن تكون سبباً في خسارتها.