قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الامتحانات. . هاجس الرسوب وغياب الهدف
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إيمان عبد الأمير
معروف أن مرحلة الشباب والمراهقة، الاكثر حساسية في حياة الانسان، فهي مرحلة ومحطة بناء نفسية دقيقة، إن تجاوزها بنجاح وكسب منها العادات والمفاهيم والقيم الحسنة، كان ضامناً لمستقبله من الناحية النفسية والمعنوية وهو ما يترك أثره قطعاً على الناحية المادية، فالذي يحمل الآداب الاجتماعية والصفات الحميدة والتوازن في الشخصية، بامكانه أن يحقق طموحاته الكبيرة سواء على الصعيد المهني او الاجتماعي. وبكلمة يكون حقاً انساناً ناجحاً في الحياة، ينظر الى كل شيء بعين التفاؤل والرضى.
وعندما نلقي نظرة متأنية على أجواء الامتحانات التي تضرب بعواصفها شريحة واسعة من المجتمع وهم التلاميذ من البنين والبنات في عمر الزهور الرقيقة، نجد ان عواصف الامتحانات لا تبشر باستقرار ذهني ونفسي لهذه الشريحة الناعمة، بقدر ما تدعوهم للتأهب والاستنفار والتوتر، كما لو انهم مقدمون على حرب ضروس مصيرية، أو ان عليهم ان يواجهوا عدواً لا يرحم، على شاكلة الانتحاريين او عصابات الخطف والابتزاز وغيرها. وعليهم ان يتعلموا ما يصنعون...! وبالنتيجة تكون الامتحانات سواء في مرحلة نصف السنة الدراسية، او تلك النهائية، بمنزلة المصير للطالب، وإذن، فهي غاية وهدف لابد من الوصول اليه وتحقيق الافضل فيه. بينما الحقيقة أنها وسيلة لا غير، وربما استخدام كلمة (امتحان) فيها بعض الحدّة والخشونة على الاسماع، بينما نلاحظ كلمة (اختبار) ذات نغمة تداعب نفسية الطالب، وتدل من الناحية اللغوية على (الخبرة) او (الخبروية)، ففي قاعة (الامتحان) يجب ان يفهم الطالب ان المطلوب منه ابراز مدى الخبر والتجربة التي اكتسبها من العلوم والمواد الدراسية التي تلقاها خلال الفترة الماضية، فتكون الخبرة على درجات وكلها حسنة، مثلاً؛ هل الذين يعملون في التجارة والسوق كلهم بدرجة واحدة من الخبرة؟ وهل الذين لهم التجربة والخبرة العالية الوحيدون في السوق، ومن هم في مستويات أدنى يجلسون في بيوتهم؟!
طبعاً؛ ونحن نروم معالجة مسألة القلق والتوتر النفسي والشد العصبي والارهاق الذهني لدى طلابنا الصغار، ندرك أن من العسير إن لم نقل المستحيل تغيير النظام الموجود والقائم على اللونين في النتيجة: إما الابيض وهو النجاح والنجاة، وإما الاسود وهو الفشل والسقوط. لكن هذا لايعني ان نترك هذه الزهور النضرة تتعرض لتلكم العواصف الهوجاء فتسرق نضارتها وربما تؤدي بها الى الذبول. ونحن نتفق على القول بان الحرص والاهتمام من لوازم النجاح، ولابد من النهوض في الصباح الباكر نحو المدرسة حتى وإن اتفق مع البرد القارص او هطول الامطار والثلوج أو حرارة الصيف وغير ذلك. ولابد من التحقق من قدرة الاستيعاب ومستوى الفهم. لكن أن ينصبّ كل اهتمام الطالب او الطالبة على كسب الدرجة العالية او حتى لا يرسب في (الامتحان)، فان هذا الاهتمام والتحول من الوسيلة الى الغاية القصوى، سيجعلهما مقطوعين عن كل شيء سوى (الامتحان) فكل شيء عندهما سيتأثر بهذا الهاجس؛ العلاقات الاسرية، والاجتماعية، وحتى الفرائض الدينية والالتزامات الاخلاقية. هذه المسيرة المتعرجة التي يقحم فيها الطلاب، هي التي خلقت لدينا ظاهرة (الغش) المقيتة، التي يفترض انها جريرة ومعصية من اختصاص الكبار، وفي مجالات العمل والتجارة وغير ذلك.
واذا نلقي نظرة خاطفة على منهج الحوزات العلمية في كل مكان نجد انها تتميز بعدم وجود شيء اسمه (امتحان) لديها وفي نفس الوقت تخرّج من هذه الحوزات عباقرة العلم والمعرفة، لكن هذا لم يحصل بالفوضى واللانظام، كما قد يتصور البعض، إنما بتوفر شرط الاندفاع الذاتي والتفاعل والتفاني والتضحية، وغيرها من عوامل النجاح الذاتية المنطلقة من كوامن الانسان وليس من العوامل الخارجية الضاغطة، أما الفقرة العملية في هذا ا لمضمار فهي المذاكرة؛ فالطالب في الحوزة العلمية لا ينكفئ منفرداً على مادته الدراسية ساعياً للحفظ او ما يسمى عندنا (الدرخ)، والهدف والغاية القصوى عنده استحصال الدرجة العالية، وتفادي السقوط في الاحراج والمحذور أمام المعلم والطلاب، بينما في الحوزة العلمية نجد الطلاب يجتمعون مع بعضهم البعض، يتذاكرون الدروس ويتناقشونها، كما يفعلون هذا مع الاستاذ نفسه حتى وان كان في مستوى عالٍ من العلم، واحياناً يحصل أن يُفحم الاستاذ ويضطر لاعادة النظر في شرحه. والمسألة الأهم هنا، أن طالب الحوزة العلمية لا يشعر بأي حرج او ضغوط نفسية من أحد، سواء كان فاهماً للدرس أم غير فاهم، فالعلم قطار من له القدرة يلحق به.
مع كل ما مرّ، لايمكننا ان نحيل مدارسنا الابتدائية والثانونية والاعدادية الى حوزات علمية، لكن يمكننا الاستفادة من التجارب، وباعتقادي أمامنا خطوتان من جملة خطوات يقوم بهما الاساتذة وأولياء الأمور لمعالجة مشكلة القلق النفسي من (الامتحان)، علماً ان القضية، ليست بهذه السهولة، فثمة اسباب فرعية عديدة وعوامل لها تأثير ودور في بروز هذه الظاهرة في مدارسنا، لابد ان تعالج حتى يتم معالجة هذه الظاهرة نهائياً. وإلا فان طالبنا المعلم أو المدرس بشيء سيقول: المشكلة ليست عندي إنما في النظام التربوي، وإن طالبنا الوالدين بشيء سيقولان: المنهج غير صحيح وهكذا...
الخطوة الأولى: وتبدأ من المدرسة، فعلى الكادر التعليمي عندنا أن ينحو الى اللين واللطف في موسم الامتحانات لاسيما في نصف السنة والنهائية، وينتزعوا روح المواجهة والحرب من نفوس الطلاب، ولا يشعروهم بان القضية (موت أو حياة)، إنما هو مجرد اختبار، وليس لهم دخل لهم بالموضوع،، فالمادة والدرجات (منكم وإليكم)، فلا حساب أو عقاب ولا انتقام من أحد. بل أدعو جميع الكادر التعليمي والتدريسي بكل احترام الى إضفاء مسحة من البشاشة والانشراح على محياهم في اوقات الامتحان لينعكس هذا على نفسية الطالب والطالبة فتتمكن هي ايضاً من الابتسام والانبساط وتتخلص من التوتر وشدّ الاعصاب عندما تواجه المعلمات او ورقة الامتحان. طبعاً لا ننسى الجانب الاخلاقي وهو أمرٌ لا نوصي به أحداً... لكن في كل الاحوال الطلاب في هذا الوقت بحاجة الى جو ودّي خالٍ من الانفعال، وهو أمر غير مكلف لمن استطاع الى ذلك سبيلا.
الخطوة الثانية: وتكون من مهمة الوالدين وأيضاً الكبار في الأسرة مثل الأخ او الأخت الكبيرة، وهنا تكون المهمة أكبر وأهم حيث تأخذ ابعاداً اجتماعية، فالطالب خارج المدرسة بحاجة الى البيت الهادئ كما يحتاج الى العلاقات الطيبة، وهذا ما يجب توفره من خلال إعطاء فسحة من الزمن للمراجعة والمذاكرة داخل البيت والتقليل من المهام والاعمال البيتية ما أمكن، وبموازاة ذلك، فسح المجال، ليس في هذه الفترة وحسب، إنما طوال السنة الدراسية، لإقامة العلاقات الطيبة بين الطلبة للمذاكرة، سواءً بدعوة بعضهم للبعض في البيوت في أوقات مناسبة وحسب الامكانات الموجودة، او تبادل المعلومات والتشجيع على المذاكرة، وهذا ينمّي في الطالب روح التعاون والتكافل والاحترام المتبادل الذي سيكون بحاجة اليه في المستقبل، وسيشكر إيما شكر لمن علّمه هذه الفضائل عندما يكون هو بحاجة الى مشورة صديق او مساعدة فتأتيه طوعاً، لكن ما أصعب ما يكون العكس، حيث ينمو الانسان على الأنانية والتفرّد، فهو في الكبر وفي أي مجال يخوضه في الحياة، سيشعر انه وحيد لا أحد يهتم به او يتعاون معه، وهنا سنكون أمام انسان جشع او محتال او متآمر على الناس او عديم الضمير والانسانية.
إذن، لنبعد الشحنات الكلامية والتوترات العصبية من أجواء طلابنا الصغار، في امتحانات نصف السنة وأيضاً الامتحانات النهائية، ونبدأ بنشر الحب والمودة والتفاؤل في النفوس، ليشعر الطالب انه بجلوسه على مقعد (الامتحان)، قد حقق انجازاً لأنه أثبت شجاعة في التعرف على مدى قدراته الذهنية، إن كانت ضعيفة عالج اسباب الضعف لأن لا تتكرر، وإن كانت قوية زاد في قوتها ولا يغتر. ختاماً؛ علينا أن نصحح المقولة الشائعة: (في الامتحان يُكرم المرء أو يُهان).