قراءة في كتاب: (معجم أنصار الحسين. . النساء – الجزء الثاني)
والقوارير يتسقَّطن النون خارج أبجدية الرجل!
|
د. نضير الخزرجي
لطالما تغنى اليسار بتحرير المرأة ولطالما تغنى اليمين بالحرية والليبرالية ولطالما وقف التيار الإسلامي في موضع الدفاع عن حقوق المرأة وهو يواجه تيارات اليمين واليسار اللذان يتهمان الإسلام بمعاداة المرأة وحقوقها، مما يعطي الانطباع المشكوك في أصله في أن دفاع اليسار واليمين ما هو إلا محاولة معلومة الأغراض لمحاصرة الإسلام في عُقر داره عبر محاصرة دعاته، ولأن تحرير المرأة عنوان خطير يمكن أن يجرها وراءه من كل اتجاه وتيار، فإن المحركين الواقفين خلف الستار لا يألون جهدا في رجم الإسلام بكل نقيصة لا لأنه يمارس الظلم بالضد بالمرأة وإنما هي محاولة لوضع العصي في عجلته التي تزحف على القطاعات الإنسانية خارج المحيط العربي والإسلامي، وإلا هل سألت المرأة المسلمة نفسها لماذا تتقبل المرأة الغربية الإسلام وهي التي تعيش في بحبوحة الحرية، فلماذا تتخلى عن حرية الغرب وتقيد نفسها في عبودية الإسلام؟
هذا التحول لدى المرأة الغربية هو بحد ذاته يكسر عصا الآخرين، فالمرأة الغربية هي أقدر من غيرها على إجراء مقارنة بين الأديان والمعتقدات في مجال الحريات، فلو كان الإسلام يقيد حرية المرأة لما أقدمت النساء الغربيات على التحول نحو الإسلام، وليست عاقلة مَن تحبس نفسها خلف أسوار دين لا يحترمها ولا يقدر خصوصياتها.
كربلاء. . نافذة المرأة الواعية
إن المرأة يصيبها ما يصيب الرجل في المُلمات، فهي ليست بمعزلٍ عن طوارق الأيام وحوادثها، كما أن أنوثتها لا تعني تقوقعها على ذاتها حتى وإن كانت تقوم الليل وتصوم النهار، بل أن عدداً غير قليل من النساء ممن يوصفن بالتقوى كان لهن دور كبير في الحياة اليومية، وبعضهن غيَّرن وجه التاريخ لأنَّ المرأة في واقعها مدرسة لصناعة الأجيال، وهذه الحقيقة نلمسها بوضوح من خلال تتبع سيَر النساء اللواتي حضرن واقعة كربلاء عام 61 هـ وشهدن مصرع سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع)، وقد وضعنا البحاثة الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي في جانب من الصورة من خلال كتاب (معجم أنصار الحسين. . النساء) في جزئه الأول، وفي الجزء الثاني الذي صدر حديثاً (نهاية 1431 هـ = 2010 م) عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 398 صفحة من القطع الوزيري يفتح لنا نوافذ على جوانب من الصورة، مما يجعلنا منبهرين أمام عظمة الإسلام الذي فتح مغاليق الأبواب أمام حرية المرأة لتأخذ موقعها الفاعل في الشؤون الحياتية المختلفة.
مقدمة نسائية
يعتبر الحديث عن دور المرأة في النهضة الحسينية وفي عموم الحركة الإسلامية عبر التاريخ، حديث عن حقيقة قائمة، صحيح أن القتل والقتال كُتبا على الرجال دون النساء، ولكن التفصيل الذي أورده المؤلف في هذا الجزء وفي الجزء الأول عن نساء حضرن كربلاء يحكي عن عظيم أفعالهن التي وصلت إلينا بعد أربعة عشر قرنا.
والنساء اللواتي جاء ذكرهن في الجزء الثاني هن: أم أحمد بن عقيل الهاشمي، أم الحسن بنت علي الهاشم?، أم قاسم بن محمد الطيار، أم محمد بن أب? سعيد الهاشمي، خليلة والدة عبد الله الهاشمي، الخوصاء بنت عمرو الهصائية، سکينة بنت الحسين الهاشمية، سکينة بنت علي الهاشمية، سلافة مربية الإمام السجاد، سلمى بنت حجر الکندية، سلمى أم رافع القبطية، شاه زنان بنت يزدجر الساسانية، صافية (أم فاطمة) الزنجية، صفية بنت علي الهاشمية، الصهباء بنت عباد الثعلبية، عاتکة بنت الحسين الهاشمية، عاتکة بنت زيد العدوية، عاتکة بنت مسلم الهاشمية، غزالة أم عبد الله أمة السجاد (ع)، فاطمة بنت علي الهاشمية، فاطمة بنت الحسن الهاشمية، وفاطمة الصغرى بنت الحسين الهاشمية.
ومن محاسن الصدف أن المقدمة الأجنبية التي تميزت بها أجزاء دائرة المعارف الحسينية في آخر كل جزء من أجزاء الموسوعة التي بلغت حتى يومنا هذا 64 مجلداً جاءت هذه المرة أنثوية كتبتها البروفيسورة سيدة زينب البنغالية الأستاذة في جامعة بنغلاديش حيث قدمت للكتاب وباللغة البنغالية، ورأت أن: (الإمام الذي تدور هذه الموسوعة حول معارفه وشخصيته وآفاق نهضته هو أحد هذه القِمَم التي أخذت طريقها إلى الجلاء في أعلى صورها في عالم لم يعد للخفاء وطمس الحقائق مبررٌ ولا موجب، فكانت هذه الموسوعة إحدى معالم هذا الظهور والتي أخذت على عاتقها بيان عظمة هذا الإمام الذي لا يمكن الإحاطة بكل جوانبه إلا بدراسة متواصلة ومتأصلة)، مؤكدة أن اتساع حجم الموسوعة الحسينية: (يدل على أمرين: الأول: سعة أفق هذا الإمام العظيم بحيث لا يحصر بعامل الزمان ولا بحدود المكان، بل ضربت أطناب خيمته في جذور التاريخ وعلى مساحة الفضاء المفتوح ليسع كله ولا يستثني قومية ولا ملّة، بل ولا يقتصر على دين أو مذهب.. الثاني: قدرة سماحة المؤلف وتمكّنه من الموضوع والإحاطة بالأهداف السامية التي وضعها الإمام الحسين عليه السلام لتظهر جلية في مشروع موسوعة مترامية الأطراف ومتعددة الجوانب والأبواب).
خلط تاريخي
عند قراءتنا لسيرة النساء اللواتي ورد ذكرهن في واقعة كربلاء نكتشف أمورا كثيرة ربما غيَّبتها أقلام وتيارات فكرية أرادت أن تمحو من ذاكرة الإنسان شخصية المرأة المسلمة في العهد الإسلامي الأول، وما نجده من قراءات مغلوطة عن الدور المقهور والمسلوب للمرأة هو في واقعه جزء من الخلط المعرفي والتاريخي بين دورها في العهد الجاهلي ودورها في العهد الإسلامي، ومحاولة البعض وسم الممارسات البشرية بالإسلام، على الرغم من أن تعاليم الإسلام لم تكن وقفا على الرجل، وأن ممارسات النبي محمد (ص) وأهل بيته جاءت لتردم تلك الهوة التي أوجدتها الثقافة الجاهلية بين الرجل والمرأة، بل الهوة الكبيرة التي خلقتها عهود من الثقافة الجاهلية التي ميزت بين امرأة وأخرى، في مقدمتها مسألة زواج العربية من غير العربية أو من (الإماء)، وهن النساء اللاتي كُنّ يحملن صفة العبودية بسبب الأسر في الحروب. وبالنتيجة فان الاسلام ومن خلال فتح باب الزواج على مصراعيه ضارباً عرض الحائط التمايز في الهوية العرقية والاجتماعية، مهّد الطريق أمام إلغاء الرق والعبودية عن وجه الحضارة الاسلامية الى الأبد.
بين الحقيقة والدراما
إن ما حصل في كربلاء عام 61 للهجرة كان ملحمة بطولية، فإن وقائع هذه الملحمة التي أعادت للإسلام حياته، شابها الغلو والوضع ومحاولات البعض تحت مدعى الولاء إلصاق ما ليس منها، كما أن بعض الأقلام الأدبية استفادت من قوة قلمها وأدبها في صياغة قصص أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع مستغلة حب الناس إلى سماع ما حصل لأسرة نبيهم محمد (ص) من مصائب، ولأن قلم المحقق ينكسر على أضلاعه دون أن يحيد عن الحقيقة إذا اكتشفها لكون الحقيقة ضالته، فإن المحقق الكرباسي يجاذب الحدث معرفيا من كل الأطراف قبل أن يتحالف معه أو يتخالف، حتى وإن كان ما توصل إليه خلاف ما هو مشهور، لأن الذين سبقوه رجال لم يبلغوا العصمة، يصيب قلمهم ويخطئ، فبعض القصص التي تتداولها كتب التاريخ حول شخصيات ورد ذكرها في إطار واقعة كربلاء يشم منها رائحة الوضع، ولذلك لا يألوا جهدا في القول على سبيل المثال: (ومن الواضح أن هذه الرواية هي أشبه بقصص القصاصين وحكاية الحكواتي، وفيها ما يدل على الوضع..).
وعلى مثل هذا وقف المؤلف من كتاب (غادة كربلاء) للأديب اللبناني جرجي بن حبيب زيدان (1278- 1332 هـ) الذي يتحدث عن (سلمى بنت حجر الكندية) المتوفاة بعد عام 64 هـ، فالرواية تتحدث عن بطولات لسلمى الكندية لها علاقة بحدث كربلاء عام 61 هـ، ولكن التحقيق جعل العلامة الكرباسي يرد قصة زيدان ويرى أن الشخصيات التي ذكرها هي: (من خيال جرجي زيدان) وهي: (من نسيج زيدان) وأنَّ: (كل ذلك يزيدنا تشكيكاً في أصل الرواية مما لا يمكن اعتمادها ولا بشكل من الأشكال) فما جاء به جرجي زيدان لا يعدو أن يكون: (رواية، ولا صحة لها و قيمتها أدبية فحسب)، ويقال مثل هذا في بعض الدراما التلفزيونية والسينمائية فمعظمها من نسج خيال المخرج الذي يراهن على شد ذهن المشاهد حتى ولو جاء الإنتاج على حساب الحقيقة التاريخية.
** إعلامي وأكاديمي عراقي - لندن
|
|