زكِّ نفسك .. و لا تزكها!
|
*السيد سجاد المدرسي
عنوان عجيب، أليس كذلك...؟
لكن هذا الامر هو الذي نستفيده من القران الكريم، وليس في الامر أي تناقض كما قد يتبادر الى الاذهان بادئ الامر. فالانسان بامكانه ان يزكي نفسه عبر طريقتين:
الطريقة الاولى: ان يعمل جاهداً على محاربة شيطانه ، ويسعى كادحاً لمخالفة شهواته واهوائه، ويجد في اخضاع نفسه للحق ويجاهد نفسه بالجهاد الاكبر الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه واله حين عادت سرية من سرايا الحرب، فقال لهم: (مرحباً بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الاكبر؟ فقال: جهاد النفس)، وهذا هو الجهاد الذي قال عنه امير المؤمنين عليه السلام: (ان افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه).
إن الانسان بمخالفته نفسه ومجانبة رغباتها، والسعي نحو تطبيق اوامر العقل المستنير بنور الوحي، والذي يقول عنه الامام الصادق عليه السلام: ( من ملك نفسه اذا رغب واذا رهب واذا اشتهي واذا غضب واذا رضي حرم الله جسده على النار)، وباتباع هدى القران الكريم الذي هو هدى الرب، يتمكن من الوصول الى درجة التزكية المطلوبة والتي تعني التطهير من جهة والانماء من جهة اخرى، يقول ربنا تعالى: "ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها* قد افلح من زكاها"، فالرب خلقنا من امشاج، من خير وشر ، ذلك ليبتلينا ويختبر قدرتنا على ترك المعاصي والوصول الى المراحل العليا من التقوى، و بالطبع فان الناس ينقسمون الى من يفلح بتزكية نفسه، بتطهيرها من الذنوب والاخلاق الرديئة، ومن يخفق في ذلك فيهوي في وادٍ سحيق.
الطريقة الثانية هي التزكية الظاهرية والسطحية، بمعنى ادعاء الوصول الى مرحلة تزكية النفس، وذلك على صعيدين:
أ- الصعيد الشخصي: حين يرى المرء التكامل في نفسه، وعدم الحاجة الى التطهير المستمر، بل يرى الانسان انه قد وصل الى مرحلة الطهر التي لا يحتاج بعدها الى شيء، وينتج الامر هذا من العجب بالاعمال الصالحة التي يقوم بها الانسان، والتي يمنّ بها على الله تعالى، من دون الالتفات الى عناية الرب وتوفيقه للعمل الصالح.
ب- الصعيد الاجتماعي: حينما يرى الانسان من نفسه ذلك الانسان الكامل الذي لا يعتريه أي نقص، ولا يرنو اليه اي اشكال، بالطبع فان هذا الامر سوف يظهر على لسانه و جوارحه، فيسعى لنيل مكانة عالية في المجتمع من دون استحقاق.
يقول ربنا تعالى عن هذه الحقيقة: (فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى)، فالرب هو اقرب الينا من حبل الوريد، وهو يعلم ما توسوس به نفوسنا، فلذلك يحذرنا من السقوط في وادي تزكية النفس بالعجب او بالادعاء الباطل.
ومن هنا نجد ان اولياء الله الصالحين يقضون حياتهم في طريق التزكية ولكن من دون الوصول الى مرحلة مديح النفس والثناء عليها، بل كانوا بالعكس من ذلك ، يعنفون انفسهم و يعاتبونها ويحاسبونها كل ليلة.
|
|