الدعاء من معراج القرآن الكريم
النبي موسى(ع) يطلب العون الإلهي
|
*صادق الحسيني
الدُّعاء، صنفٌ من المناجاة بين العبد وربّه، وعندما يصدر الدعاء على شفاه أولياء الله تعالى كالأنبياء، فلا شك بان الالفاظ والعبارات لن تكون كأية عبارة أخرى، فهي تشتمل على دلالات عظيمة بعظمة ارتباطهم بالسماء، و سنتطرق الى بعض ما دعى به ثالث أولي العزم ألا وهو النبي موسى (ع)، هذا النبي العظيم الذي القى الله تعالى عليه محبةً فلم يره أحد إلّا و أحبه، لذا اصطفاه الله و اختاره ليكون كليمه و سنورد دعاءين أحدهما قبل ان يصل الى مقام النبوة و الثاني بعده:
الأول قبل النبوة
وهو دعاء يذكره القرآن الكريم للنبي موسى (ع) بعد وروده بلاد (مدين) حينما وجد امرأتين فسقى لهما ثم تولّى الى الظل وقال: "رب اني لما انزلت اليّ من خير فقير" (/24القصص).
لقد كان موسى يتضوّر جوعاً و يعاني من الغربة بعدما خرج من موطنه خائفاً يترقب، ولا يملك ما يمنّ به على نفسه و لا يجد مكاناً يأوي اليه، و لا يعرف الى اين ينتهي به الأمر، ولكنه رغم ذلك كله لم يشكُ الى الله ذلك بل ذكر نعمه السابقة، وقال إنني افتقر الى ذلك الخير. وهذا من افضل اساليب الدعاء، اذ يتضمن كناية أبلغ من التشبيه، و نظرة ايجابية. فبدل أن يقول أحدنا: (ان عيني تؤلمني فاشفيها يارب...)! ليقُل: ان عيني كانت سيلمة سابقاً، واني اليوم لفي حاجة لأن اكون مثل الماضي، إذ من آداب الدعاء أن يبدأه العبد بحمد الله، والثناء عليه.
و اهمية هذا الأدب المحافظة على الروح الايجابية عند الانسان الذي يسعى الشيطان لأغوائه ابداً وإبعاده عن نعم الله و وضع نظارات سوداء على عينيه كلما ألمت به مصيبة أو فقد نعمة، حتى لا يرى سائر النعم الباقية و هي بالتأكيد اكثر مما فقدها ومن لا يرى نعم الله عليه لا يمكنه الانتفاع بها.
وبذلك يعطينا النبي موسى (ع) درساً مهماً، بأنّ الانسان مهما يعيش في ظروف صعبة و مهما يواجه من قساوة الايام إلّا أنّ عليه ان لا ينسى ما يمُنّ عليه الرب من خير كثير هو غافل عنه فمن يعاني من ألم في أنامله عليه أن لا يغفل بمنّ الله عليه بجسم سالم و عقل متفكر و قوة و.... الى ما لانهاية له.
و ما نستنير به ايضاً بالتأمل في هذا الدعاء القرآني كون مصدر الخير من الله عزّوجل وهو تعالى يرزق عباده هذا الخير من هنا ففي بعض الاحيان ليس بمطلوب من الانسان أن يفصل في دعائه إنما يكتفي بذكر اجمال الطلب و الله تعالى سيرزقه من الخير ما يحتاجه و بقدر احتياجه له.
ثانياً: بعد النبوة
وبعد أن خوطب عليه السلام بالنبوة من قبل الجليل الأعلى، و أمره تعالى بالذهاب الى فرعون الطاغي لابلاغه رسالة التوحيد، حينئذ قال: "رب اشرح لي صدري * ويسّر لي أمري * واحلل عقدة من لساني* يفقهوا قولي" (طه /25-28).
يبين لنا القرآن الكريم من خلال دعاء النبي موسى (ع) خطوات منهجية و برنامج عملي متكامل للدعاة الى الله تعالى و يفصل الدعاء القول في العقبات التي لابد أن يذللها الداعي الى الله عبر قصة النبي موسى (ع)، فلذلك يدعو النبي موسى أولاً بقوله: "رب اشرح لي صدري ويسر لي امري". بمعنى ان حمل رسالات الله الى الظالمين لا يتّم بسهولة، انما تسبب المزيد من الصعاب لحاملها، و بالرغم من أنّ قدرات الفرد تتسع لكل تلك الصعاب الّا أنّ المقياس هو مدى قدرى استيعاب صدره لمشاكل العمل، لذلك يدعو النبي موسى أن يشرح الله صدره لكي يؤدي رسالته و يذلل كل الصعاب التي تقف امامه في سبيل الدعوة الى البارئ عزوجل. و من ثم يردف الدعاء ثانياً بقوله: "واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي".
ولعل شدة التكذيب تكون سبباً في انعقاد اللسان أو ان هذا التكذيب بحاجة الى لسان طلق بليغ و حيث كان النبي موسى يعاني بعدم قدرته على الافصاح عن بعض الحروف وهو ما قد يقف حاجزاً دون القيام برسالة الله، هذا من جهة ومن جهة اخرى ان حمل رسالات الله بحاجة الى إعلام قوي و كان موسى عليه السلام يعلم مدى صعوبة الامر فبادر الى الدعاء لكي يحلل الله له العقدة التي كانت في لسانه منذ طفولته لذلك دعا بهذا الدعاء .
إن في دعاء النبي موسى عليه السلام دروساً عديدة لواقعنا اليوم، فما أحوجنا اليها للمضي بأداء مهمتنا الرسالية وفي مقدمتها على الصعيد الاجتماعي؛ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما كان يتميز به نبي الله موسى عليه السلام، وهو طريق سائر الانبياء، وجاءت رسالة نبينا الخاتم مكملة لرسالة السماء في توجيه البشرية على الطريق الصحيح.
|
|