بين ناخب ونائب
|
ياسين العطواني
بعد ان نصب السرادق، وقدم الحلوى، وتقبل التهنئات، وسمع بأذنيه الطويلتين القصائد والخطب الطويلة في الاشادة بالكفاية فيه، والثقة العالية به والخير المرجو منه، من قبل شعراء وخطباء ( عصافير الحصاد ) التي تزقزق للحبة ولا تزقزق للزهرة، وتكرر اغرودتها الواحدة ولا تقصد بها معنى، وبعد ان صــدق هذه التفاعيل العروضية، انتفش انتفاش الديك. وراح يعد ويمني، ويزعم انه باجتهاده وجهاده سيجعل المجلس القادم يبسط الأرزاق ويطيل الأعمار، ويضمن لكل ناخب في دائرته قصرا في الدنيا وقصرا ًفي الجنة.
وكان النائب ينتفخ والناس يجاملون بالاصغاء، إلا ناخبا ًً، عرف بحدة الصراحة وقلة المجاملة، وكان قد اتخذ مكانا ً قصيا ًفي احدى زوايا المجلس. وبعد ان قال الجميع ما يريدون قوله، اقبل هذا الناخب صوب النائب القديم الجديد ــ بمعنى انه قد انتخب للمرة الثانية ــ قائلا ً : ان ما تسمعه ياسيادة النائب من لغة التحيات والمجاملات هو ما تردده الألسن بحكم العادة ولا تريد به شيئاًً ولو كانت الوعود البرلمانية والبرامج الوزارية من الكلام الذي وعدت به قد تحققت لما بقي في صحارى وسهول وجبال البلاد شبر يشكو الظمأ، ولا في مساكين العراق فرد يشكو الجوع، لقد قلتم كثيرا ً ولم تفعلوا، فحاولوا هذه المرة ان تفعلوا ولا تقولوا.
عندها التفت اليه النائب التفافة ً جلبت أنظار الحاضرين، متسائلا ً : لماذا لا يجري كلامك مع كلام الآخرين، ولا يقف رأيك مع الآراء ! ماذا تريد ان يفعل النائب اكثر من أن يمثل البلاد، ويشرع القوانين، ويبحث الميزانية، ويراقب الحكومة ؟.
ذلك هو المفروض ياسيادة النائب، أما الواقع فهو أن بعضكم متى دخل البرلمان لا يمثل إلا نفسه، ولا يقضي إلا حاجته، ولا يراقب إلا غريمه.
ـ وماذا تريد ان اصنع لك الآن ؟.
اريد ان تتنازل عن مكافأتك البرلمانية لدائرتك الانتخابية، انك والحمد لله ضخم الثراء رفيع العيش، فلا اقول انك طلبت النيابة كما يطلب الناس الوظيفة، وان جزءاً من هذه المكافأة في كل شهر تقسم على قريتنا في تعليم الناس لا تدع فيها أميا ً واحدا ً قبل انقضاء الدورة الانتخابية، ولا اعتقد انك تؤدي الى بلدك في طول نيابتك عملا ً أرفع ولا أنفع من هذا العمل.
ـ ولكنك تطلب ما لا يطلبه أحد في أي بلد من البلدان.
وهل تجد في بلد من البلدان فقراء في مثل فقرنا يعطون، وأغنياء في مثل غناكم يأخذون ؟ النيابة عندهم بذل وتكليف، ولكنها عندنا ربح وتشريف.
ـ كلامك سديد، وأني اعدك ان لا اعارض اذا قبل الآخرون.
أي آخرين تريد ياسيادة النائب ؟ ولم لا تسن أنت هذه السنة الحسنة فيكون لك اجرها وأجر من عمل بها الى يوم يـُحل المجلس ؟
ـ يــُحل المجلس ؟ قل الى يوم تنتهي الدورة ياهذا. فأل الله ولا فألك ؟ لقد شغلتنا بثرثرتك عن تحية الناس. ثم اشاح النائب عن الناخب، وأقبل على المهنئين يوزع عليهم تحياته الشريفة !
ما نريد قوله من هذه الدردشة، ونحن نقف على أعتاب دورة برلمانية تشريعية جديدة، ان تكون العلاقة التي تربط الناخبين بنوابهم تقوم على مبدأ الوكالة الشرعية الالزامية، على اعتبار ان عضو مجلس النواب وكيل للناخبين وممثل لهم، وعليه ان يعمل على وفق ما يرونه وان يلتزم ببنود ومحتويات هذه الوكالة اثناء عضويته لمجلس النواب. وأن يحصل تبادل للرأي بين النائب والناخب في كل مسألة يحتاج فيها الأمر الى مثل هذا الرأي، على ان تناقش هذه الآراء والأفكار في مكاتب او ديوانيات تفتح في الرقعة الجغرافية التي ترشح عنها النائب، وأن تكون هذه المكاتب جزءاً متماً الى عمل ومهام النائب داخل قبة البرلمان، لا كما فعل اكثر من نائب في الدورة السابقة عندما قام بتغيير ارقام هواتفه ومكان اقامته، وقطع الصلات والاتصالات مع كل الناس الذين اوصلوه الى قبة البرلمان. الشيء المهم في هذه المرحلة التي نتفق على مدى أهميتها وحساسيتها هو ان نتجنب أخطاء وعثرات الماضي، وأن نبني على ما صلح من ذلك الماضي، من خلال البحث عن اساليب ووسائل مبتكرة تعزز الثقة المتبادلة بين الناخب والنائب. وهنا ادعو كل نائب الى استحداث فقرة جديدة في جدول اعماله تحت عنوان ( ثقافة برلمانية ) يتم من خلالها الاطلاع على تجارب الآخرين لا سيما الشعوب التي سبقتنا في مضمار العمل النيابي، وهذه الثقافة هي جزء من الثقافة العامة التي يجب ان يتسلح بها عضو البرلمان قبل غيره، لاسيما ان النائب لدينا يفتقر الى الكثير من الأعراف والتقاليد البرلمانية، بحكم قلة التجربة وحداثة العهد في التعاطي مع المفاهيم الديمقراطية.
وضمن سياق الاستفادة والاتعاظ من تجارب الآخرين، اتذكر حادثة قد وقعت في برلمان احدى الدول الأجنبية، وهذه الدولة قد تجاوزت كل المنغصات والعقبات التي نعاني منها اليوم منذ زمن بعيد، وجل ما يتم تداوله في أروقة هذا البرلمان يدور بشأن طبقة الأوزون، والمحافظة على بيئة نظيفة، وحماية حيوان الباندا المهدد بالانقراض، والهجرة غير الشرعية للبلاد، وهذه الموضوعات كما تبدو لنا هي في منتهى الترف والكمالية، مقارنة بحجم التركة الثقيلة التي ينوء بها ظهر العراق، ومع ذلك، وعندما احتدم النقاش بشأن هذه المواضيع (المثيرة للجدل ) ! قرر اعضاء هذا البرلمان جلب الأسرة المتنقلة والمبيت داخل قبة البرلمان بعد ان تم تمديد الوقت المحدد لانعقاد الجلسة، واعتبرت الجلسة مفتوحة لحين اقرار تلك القوانين (المصيرية ) !.
|
|