الاطفال و الخوف. . نقطة للانطلاق أم نقطة ضعف
|
هدى محمد علي
الخوف؛ حالة غريزية في نفس الانسان، تظهر على قسمات الوجه والسلوك بشكل انفعالي، وتبدأ مع بدايات حياة الانسان وهو طفل صغير وتحديداً بعد تجاوز مرحلة الحبو والوقوف على الرجلين وتمييز الاشياء والافراد والتفاعل معهم، فاذا كان هذا الخوف ناتجاً من ظروف غير طبيعية وفي اطار واسع من السلوكيات الخاطئة، فانه يترك أثره على شخصية الانسان في كبره.
مصادر الخوف
هنالك جدل كبير في اوساطنا الاجتماعية حول الحكم على مسألة الخوف كمفردة وحالة، وما اذا كانت تشكل إحدى وسائل التربية، أم انها مرفوضة بالمطلق، وعلى الابوين والمحيطين ان يجردا الطفل من أية مصادر للخوف والحذر، بداعي الشجاعة وطيّ مراحل الحياة وظروفها بقوة ونجاح.
وهناك شبه إجماع بين علماء النفس على ان الأصوات العالية الفجائية أهم المثيرات الأولى للخوف في الطفولة المبكرة ويتقدم العمر بالطفل فتزداد مثيرات الخوف عنده، ففي عمر الثانية حتى الخامسة يفزع الطفل من الأماكن الغريبة ومن الوقوع من مكان مرتفع ومن الغرباء، ويخاف من الحيوانات والطيور التي لم يألفها. ويخاف تكرار الخبرات المؤلمة التي مر بها كالعلاج الطبي، او عملية جراحيّة كما يخاف منه الكبار حوله لأنه يقلدهم، ويظهر انفعال الخوف عند الطفل غالباً في صورة البكاء والتهرّب من أيدي الوالدين، وقد يكون الخوف الشديد مصحوباً بحالة من الارتعاش في البدن، وهو ما قد يؤدي الى مضاعفات صحية خطيرة على سلامة الطفل إن تجاهلها الوالدان.
هذه المصادر طبيعية لاستيلاء حالة الخوف على الطفل، لكن بامكان الابوين تهوين المسألة وإزالة هذه الغمامة من أمام عين الطفل، كأن يشعر بالخوف من دخول الغرفة المظلمة، فاذا اصطحبت الأم او الأب الطفل الى هذه الغرفة و أرشدته الى مفتاح الانارة في الجدار او أي مكان آخر، فانه سيجد الخطوة الاولى بنفسه لتجاوز حالة الخوف، وسيدخل الى الغرفة المظلمة ثانية وهو يبحث عن مفتاح الانارة.
والدليل على ان الخوف مسألة فطرية وغريزية من الخطأ قمعها او تجاهلها، أننا نلاحظ الطفل الصغير وهو يحبو ربما يصادفه عقرب فيمسكه بيده او حتى يضعه في فمه! كذلك نراه يقترب من النار او من اناء يغلي بالماء او الطعام او غير ذلك، فهو لم يتعرف على هوية هذه الاشياء، كذلك الحال بالنسبة للغرفة المظلمة، وحتى الحيوانات المقززة مثل الفأر او غيره، فانه يشعر اتجاهها بأي حالة خوف او خشية.
صناعة الخوف
بعد ان عرفنا ان الخوف حالة نفسية طبيعية تتولد في نفس الطفل مع تقدمه في العمر، نجد ان بعض العوائل يستغلون هذا الضعف والحالة النفسية في اطفالهم لتحقيق ما يعجزون عنه بالكلام، مثل النوم في الوقت المحدد او عدم الخروج من المنزل او السكوت والهدوء وغير ذلك، فمن يتمرد على فراش النوم، تأتيه التهديدات بظهور العفريت الى حجرته، لذا عليه ان يغطي رأسه فوراً ليهرب الى النوم! ومن يريد الخروج من البيت للعب مع الاولاد، يهدد بوجود كلب أسود مفترس او غول أو....! ومن الملاحظ في بعض عوائلنا التخلّص من مطالبة الطفل الملحّة لاصطحابه معهم خارج المنزل، بالكذب عليه بأنهم ذاهبون لزرق الإبرة، وبذلك يكون الذنب ذنبين؛ الكذب والتخويف الدائم من الإبرة، فانه سيرفضها حتى وإن تعلقت بها حياته.
وقد يلجأ بعض الآباء والامهات لعلاج خوف الطفل بالسخريّة منه، أو إثارة ضحك أفراد الأسرة عليه بسبب مخاوفه، وقد يتخذ الأخوة هذه المخاوف وسيلة للتسلية والضحك على حساب مشاعر الطفل المسكين. بل قد يلجأون الى تخوفيه بما يخاف منه فيعقّدون بذلك شخصيته، كما تسوء علاقته بوالديه وبأفراد أسرته من جراء ذلك.
في مقابل ذلك نجد بعض الوالدين ينتهجون نهجاً مغايراً، ويعدون مسألة خوف الطفل منقصة في شخصيته أو ربما يقول البعض ان نقطة ضعف يجب ان لا تنمو معه في كبره، مثل هؤلاء الوالدين غير الواقعيين يقمعون انفعالات الخوف التي تظهر على ابنائهم اعتقاداً منهم ان ذلك كفيل باستئصالها، لكن هذا الاسلوب يزيد مخاوف الاطفال ويعقد شخصياتهم، فهم بين مشاعرهم الطبيعية ومن المطالبات القسرية او ادعاءات الشجاعة والجسارة، وليعلم الآباء أنهم في حال نجحوا في سلب الخوف والحذر من نفوس اطفالهم، فانهم بالحقيقة سيخرجون جيلاً بلا ضوابط وقيود، سواء كانت إزاء تقاليد اجتماعية او التزامات دينية واخلاقية، فاذا شعر ان بامكانه فعل كل شيء ولا شيء يرهبه ويردعه، عندئذ لا أحد سيكون قادراً على مواجهته اذا ما وصلت القضية للمخالفة الصريحة أو ربما الى الجريمة او الجنح.
من هنا؛ الخوف مسألة طبيعية تتولد في نفس الطفل، إنما المهم تقويمها ومعالجتها لتنتقل من الاشياء الضارة مثل النار او سلك الكهرباء او المكان الشاهق او المادة السامة وغيرها، الى القوانين والالتزامات الاجتماعية والدينية في مراحل متقدمة من العمر، والأهم من كل ذلك الخوف من الله تعالى، فالصبي أو الصبية عندما يقفان أمام القبلة للصلاة ويصومان شهر رمضان، إنما يجب ان يشعرا بالشجاعة وقوة القلب أمام مصاعب الحياة، ليواجها المهمة الأكبر وهي النفس الأمارة بالسوء والفوز برضوان الله تعالى.
|
|