الجيل الجديد ومشكلة استثمار مرحلة الشباب
|
*إعداد : كريم الموسوي
البعض منّا يفرِّط بأوقاته ويبذِّر ويُسرف أكثر ممّا يبذِّر ويُسرف بأمواله، في حين أنّ الوقت مال، كما يقول أصحاب المال...
ونحنُ نقول إنّ الوقت (فُرَص): فرصة للتقرّب إلى الله، فرصة لبناء الشخصية، فرصة للتعلّم، فرصة للمعرفة، فرصة للكسب الثقافي أو المادّي، فرصة للتعارف.... والقائمة تطول.
إذن، فما هذه الفوضى الوقتيّة في حياتنا إذاً؟!
ـ أوقات طويلة للثرثرة.
ـ أوقات غير محدّدة للتسكّع والتطلّع في واجهات المحلاّت.
ـ أوقات ممدودة وممطوطة للجلوس إلى (الانترنيت).
ـ أوقات مفتوحة للهو واللعب والسهر والعبث.
ـ أوقات مُبدَّدَة على مصاطب المقاهي ومنعطفات الشوارع.
ـ أوقات شاسعة للنظرات البلهاء الفارغة.
لماذا ذلك؟!
لأنّنا نعتبر الوقت ملكاً يمكنُ أن نتصرّف به كما نشاء حتى ولو أتلفناه وأرقناهُ على الأرض، وبذّرناه تبذيرا. يمكن القول: ليسَ المبذِّرون بأموالهم فقط هم (إخوان الشياطين)، إنما المبذِّرون بأوقاتهم كذلك. لأنّ الوقت غير المعمور أو المملوء أو المشغول بالعمل الصالح والنافع، والذي يكون بلا مردود إيجابيّ... هو هدر في هدر.
إجرِ إحصاءً للأوقات المهدورة سُدىً، ستحصل على نتائج مذهلة، فإذا كانت قطرة الماء التي تنزفُ من حنفية عاطلة قد تملأ خزّاناً كبيراً بعد ساعات، فكم من الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنوات تذهب مع الرِّيح أو يطويها الزمن بلا فائدة. كما تلقى المياه النظيفة في البالوعة والاطعمة في مكبّ النفايات.
تأمّل في أنّ ساعة تفكّر يمكن أن تُنتج مشروعاً... كتاباً... حلاًّ لمشكلة... اكتشافاً لنظرية... هداية إلى الطريق الصحيح... إنقاذاً لمستقبل مهدّد... وغير ذلك كثير. هكذا يعلمنا نبينا الأكرم وهو أول انسان دعى الى التعلّم، وخاطب اصحابه ذات مرة: (تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة). وهو بذلك يرشدنا الى الحقيقة الناصعة بان العلم والتعلّم لن يتوفران الاّ بالتفكّر والتأمل وعدم قضاء ساعات العمر في التفاهات والترهات.
وهنالك الكثير من الاحاديث المروية عن رسول الله وأهل بيته الاطهار تحذرنا من مغبة تبذير ساعات العمر في امور غير منتجة ومفيدة للانسان والمجتمع، وفي الحديث عن الامام السجاد عليه السلام عن سؤال القبر وبعد ان يذكر السؤال المتعلق بالربوبية والنبوة والدين والكتاب والامام: (... عن عمرك فيما أفنيته ومالك من اين اكتسبته وفيما ابليته. فخذ حذرك لنفسك، وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار).
هذا ما كان من قدواتنا وأساس منهجنا في الحياة، ثم لننظر الى تجارب الآخرين في احترامهم للوقت واستثمارهم إياه والى اين وصلوا اليوم. فأحد الذين يعرفون قيمة الوقت، و وظّفه توظيفاً جيِّداً، يقول: (الوقتُ أرخصُ شيء في الوجود، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن شراؤه). إنّه مخترع الكهرباء (أديسون).
أما العالِم الذي قضى أوقاتاً مهمّة في التعرّف على البكتريا، ألا وهو (لوئي باستور) فيقول: إذا أضعتُ دقيقةً واحدة من حياتي، أُحسّ بأنّني اقترفتُ جريمة ضدّ الإنسانية)، والعبرة في ان العالم يعد إضاعة الوقت بمنزلة هدر فرصة لانقاذ الانسانية من التخلف والحرمان والضياع.
ينقل عن عدد كبير من علماء الدين في القرون الماضية وفي الوقت الحاضر ايضاً، انهم لم يكونوا يهجعون ليلاً بسبب دأبهم على المطالعة والبحث عن آخر في علوم الفقه والاصول والمنطق وما يتعلق بحياة الناس، واذا كانت عندنا اليوم نظريات ورؤى في الاقتصاد والاجتماع والسياسة وحتى الامن فهي من ثمار تلك الساعات التي يقضيها علماؤنا في جوف الليل فيما الناس نيام، وهم في تلك الظروف المعيشية القاسية، فهناك من كان يطالع على ضوء القمر او المصباح في فناء الدار حتى لا يوقض الآخرين، وهناك من كان يطالع واقفاً او جالساً حتى لا يستولي عليه النعاس. وهنالك قصص مثيرة حقاً في هذا المجال، ربما تحين الفرصة لذكرها في مجال خاص.
كل هذا يدعونا لأن نشكر النعمة التي بين ايدينا، وقد أحاطت بنا كل وسائل الراحة، فبدلاً من القلم ومتاعبه، يمكن الكتابة على الحاسبة بسرعة فائقة، وبدلاً من تجشم عناء حمل الكتاب من مكان الى آخر، جاء القرص المدمج (سي دي) لينقل لنا مكتبة وليس كتاباً واحداً، وهو لايتجاوز حجم كف اليد ولا يزن اكثر من خمسين غراماً. وهنالك الانترنت والموبايل والقنوات الفضائية وغير ذلك، وإذن، فان هدر الوقت بلا حاصل يُعد بالحقيقة جريمة كبرى في هذا الزمن الذي نحن أحوج ما نكون فيه الى العلم والمعرفة والوعي.
المصدر: موقع (البلاغ)
|
|