قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بشائر النصر الإلهي تهبّ على ربوع البلاد الإسلامية
(خارطة التغيير) تكتمل بتطبيق أحكام الله
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد /بشير عباس
يمكن أن نصف شهر شباط من سنة 2011، بانه شهر الرحيل عن قصور الرئاسة وكراسي الحكم في البلاد العربية، فقد تخلّى حسني مبارك في الحادي عشر من هذا الشهر عن كرسي الحكم بعد ان سبقه زين العابدين بن علي الذي سُمي بـ (زين الهاربين)، لسرعة اتخاذه قرار الهروب من تونس بعد موجة التظاهرات الجماهيرية المطالبة برحيله. ثم توالت في هذا الشهر اندلاع ثورات وانتفاضات في ليبيا واليمن والمغرب. وبعد لجوء السلطات الحاكمة في هذه البلاد الى القوة، سالت الدماء الزكية للشباب المسلم، ثم سقطت هيبة الحاكم وصوره وجدارياته، وسقطت الوجوه المصطنعة التي طالما سوّق لها الاعلام العربي، وذلك بهتافات (الله اكبر). وهو نفس الشعار الذي أسقط نظام (شاه ايران) في نفس الشهر من عام 1979. لذا يمكن القول القول: ان مايحدث في البلاد العربية والاسلامية مرتبط بعضه بالبعض الآخر، بل هي في الحقيقة انتفاضة اسلامية عارمة تغذيها ليس فقط الفساد الاداري الهائل والتخلف الاقتصادي والفقر والبطالة، إنما ايضاً تغذيها روح القرآن و روح التاريخ الاسلامي، و روح الوحي الذي نزل على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فصاغ بأذن الله هذه الامة الشاهدة على الامم كلها، قال سبحانه وتعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (البقرة /143).
ان هذه الامة التي صاغتها يد الوحي ولايزال متمثلاً في كلمات وسيرة الرسول واهل بيته المضيئة، هي التي تغذي ثقافة الامة، وبالرغم من كل التحديات فان وعي الامة لا يزال ينبض بالدين والتديّن. إن هتافات (الله اكبر) في (ميدان التحرير) وسط القاهرة والدعوات الى سبحانه وتعالى بالنصر والفرج، وايضاً في جميع البلاد العربية، تعيد الى الذاكرة نفس الهتافات التي أطلقها الشعب الايراني قبل 33 عاماً بوجه نظام حكم (الشاه) الديكتاتوري الظالم، وهي الصورة ذاتها في العراق ولاسيما في الملحمة الكبرى التي جرت في اربعينة الإمام الحسين سلام الله عليه، والمسيرات الراجله من اقصى نقاط العراق الى كربلاء المقدسة حيث الامام أبي الاحرار، وحيث الدم و التضحية من اجل الله.
كل هذه الصور المتفرقة ظاهراً على مواقع متعددة من الخارطة الاسلامية، تعبر عن حقيقة واحدة وهي ان الاسلام لا يزال حيّاً في نفوس الامة وان التحديات وان تكالبت على الامة وتكاثرت، لن تفت في عضد الامة، لأن معهم أعظم سلاح وهو القرآن الكريم، انه الرسالة من رب العزة الى البشرية جمعاء، فهو يتحرك دائما امام الشعوب وامام البشرية، وفي أي وقت قرر شعب ما الانتفاض والثورة على واقعه الفاسد، والتخلص من الفقر والتخلف والعبودية عادوا الى القرآن الكريم فوجدوا فيه متسعاً رحباً من الافكار وشمساً ساطعة، وفرقان يستطيعون ان يتسلحوا به ويحققوا به اهدافهم وطموحاتهم.
الوعد الإلهي بالنصر
إن الحرية لا تُمنح الانسان عبر التاريخ، إنما هي هبة من الله تعالى الى البشرية، كما ان الكرامة ليست من هذا وذاك، إنما هي ايضاً هبة الله للبشرية، انه تعالى هو الذي كرم بني آدم على كثير ممن خلق، فهو وهب الانسان المواهب العظمى مثل العقل والعلم وسخّر له ما في الارض جميعا، لذا لا يجب على الانسان ان ينتظر الحرية تُقدم له على طبق من ذهب، بل عليه ان يأخذ حريته من القرآن الكريم على طبق من نور وقد كفل الله تعالى له النصر لكن بشرط ان ينصر الانسان الله تعالى أولاً؛ أو لم يقل الله سبحانه في (سورة محمد): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد /7).
في (سورة الحج) يقول ربنا تعالى: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج /40). انه الوعد القاطع من الله تعالى للانسان ولكل مسلم عبر التاريخ، فاذا وفرّنا شروط النصر في انفسنا، وإن جاهدنا وقاتلنا وضحينا، فان الله سبحانه ينزل نصره المؤزر. وبالرغم ان الناس لايعلمون إلا الظاهر من الحياة الدنيا ولكن المؤمن والمسلم الواعي يستوعب هذا الوعد الإلهي، فهو ربما يحقق النصر الإلهي، وعليه يجب على الشعوب كما على المسؤولين ان يفهموا هذه المعادلة.
فتاوى مدفوعة الثمن
إن الشعوب المنتقضة اليوم لم تعد تغتر وتعز أي اهتمام للحاكم مهما قضى على كرسي الحكم ومهما عمّر في السلطة وتحكّم وامتدت جذوره الاخطبوطية، كما انه لا يعبأ بما يزعق به (وعاظ السلاطين) الذين ابتلوا بعدوى الفساد من الحكام الفاسدين، فباتت فتاواهم فاسدة تفوح منها رائحة الرشوة والمال الحرام، فمن خلال حفنة من الاموال تم شراء وعاظ ليفتون بحرمة الثورة على الحاكم وإن كان ظالماً، إن هؤلاء إنما باعوا دينهم وضمائرهم بدينار ملطخ بدماء الشعوب مقابل إرضاء السطان، بينما السلطان هو الله تعالى.
هذا ما يثير العجب حقاً؛ اذ كيف لهؤلاء الذين يحملون كذباً وزوراً لقب (علماء دين) وينسبون الشرك لغيرهم وهم يلهجون بالكلمات الشركية؟! انهم يعتقدون بوجود سلطان آخر غير الله في الارض...! بل ويتذللون ويتخضعون لهذا (السطان) أو (الملك) أو (صاحب الجلالة)، في حين يعرف حتى الطفل الصغير ان هذه الاوصاف والالقاب لا تكون إلا لله العزيز الجبار. لذا يجب ان نحيي العلماء المجاهدين الذين انضموا الى ثورة الشعب المصري ونزلوا الى الشارع وشاركوا الشعب انتصاره على الطغيان والظلم، كما نحيي الجنود الاحرار في مصر وكل الموظفين والمسؤولين الذين ساندوا الشعب المصري في ثورته الجماهيرية، انهم القدوات لسائر الشعوب في البلاد الاسلامية.
إن من يجلس على موائد الملوك والرؤساء ويأكل من فتات الموائد التي تعطى للحيوانات، والذين يلوون رقابهم أمام الحاكم الظالم والطاغي، فان الله لن ينصره ولن ينقذه من ازمته وإن طلب ذلك، إن الله يدعو الانسان أن يكون حراً كريماً في حياته. هكذا كان الامام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، وقد تحول موقفه المشرّف والعظيم الى درس بليغ للثوار والاحرار في العالم بأسره وليس فقط للمسلمين، لقد قال دعا الانسانية بان يكونوا أحراراً في دنياهم، ولا يكونوا أذلاء كالعبيد، والآية الكريمة صريحة في هذا المجال: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة /256)، فمن هو الطاغوت؟ أليس هو ذلك الحاكم الذي يتلبس كذباً وكفراً صفات الألوهية ويدعو الناس الى طاعته؟
الاستقلال في الثورة
إن شعوبنا الاسلامية اليوم في طور التغيير والتحرر من قيود الطغيان والظلم، فمنها من تحرر وهنالك شعوب لا تزال تجاهد وتنا ضل للتحرر، والكلمة لهم بأن يحذروا ردود الفعل العنيفة خلال المواجهات مع سلطات النظام الجائر ومؤسساته، وأن يحذروا الانتقام وخوض الفتن والاختلاف. عليهم الآن توحيد الصفوف تحت راية (لا إله الا الله)، وهو التوحيد الخالص، و تحت راية الانسان الذي لايعرف سوى الله سبحانه وتعالى حاكماً، نعم؛ هناك من يدير شؤون الناس لكن تبقى الحاكمية والهيمنة لله تعالى، وأن الدين لله والدعوة الى الله، فاذا بقيتم مخلصين لله سبحانه وتعالى، أتقياء، أنقياء، حنفاء غير مشركين وغير خاضعين للطغاة، فان ربنا سبحانه سوف يؤيدكم، لذا يجب أن لا تمدوا أيديكم نحو الشرق او الغرب، ولا تطلبوا مساعدة هذا وذاك، إن الله هو الذي يمنّ عليكم بالنصر، فاذا توكلتم عليه تعالى فان الله هو حسبكم ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
في (سورة الحج) وفي الآيات التي وعد فيها الله تعالى المؤمنين بنصره، يقول تعالى: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج /41)، فبعد ان يتوكل الانسان على الله ويحقق النصر الموعود من الله تعالى، عليه أن يطبق احكام الله، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. انها خارطة الطريق للتغيير الصحيح، فالتغيير يجب ان ينتهي بتحقيق العدالة في المجتمع وتحكيم القيم الدينية والاخلاقية.
نحن اليوم في لحظات تاريخية، فعندما نهنئ الشعوب على تحررها من الطغيان والظلم، نعتقد ان المرحلة الأهم هي وحدة الناس واجتماعهم على كلمة التوحيد وعودتهم الى ربهم والاخلاص له تعالى. إن صلاة الجماعة في ميدان التحرير بالقاهرة وفي المناطق الاخرى هي التي استنزلت النصر للشعب المصري، إذن؛ من ينشد التغيير السياسي عليه أن لا ينسى الصلاة والزكاة و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمل المسؤولية.
على الجميع اليوم اصلاح نفسه واصلاح الآخرين، كما على الشعوب الاخرى ان تتحمل مسؤولياتها، وعلى كل من يحب نفسه ويحب بلده ان يتعاون مع الاخرين في سبيل الاصلاح ونبذ الظلم، فالظلم ظلمات ومآله الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة.
ولمن تصله هذه الرسالة ان يعود الى رشدهم والى ضمائرهم ويتوبوا الى الله، وهو تعالى توّاب رحيم، اتركوا الظلم والفساد، صارحوا شعوبكم وتعرفوا على ما يريده الناس منكم. تعاونوا فيما بينكم... ابنوا بلادكم... كل البلاد سوف تتعرض لهزات و زلزال عظيم، فلا بد ان نفكر في كيفية استيعاب الهزات الارتجاجية لهذا، ونوجهها بالاتجاة الصحيح.
من هنا على جميع الناس ان يفكروا بكيفية اخلاص العمل لله تعالى وان يتعاونوا فيما بينهم، حذاري... حذاري من الفتن ومن التمزق ومن الاحكام المتسرعة على هذا وذاك زمن روح الانتقام. ان الله الذي نصر الاخوة المسلمين في مصر وفي تونس وينصر الباقين في بلاد أخرى، وهو الذي انعم عليكم. يأمركم بالعفو والسماحة و بالتعاون والتشاور، إذن؛ عودوا الى القرآن الكريم. عودوا الى روح الوحي. عودوا الى نهج النبي واهل بيته عليه السلام. ثم انظروا كيف ان الله سبحانه وتعالى ينزل عليكم من السماء غيث والارض ان شاء الله تتفجر بالبركات وتعيشون آمنين مطمئنين ولا يغرنكم الشيطان ولا يغرنكم بالله الغرور.