لكي نقتدي برسول اللـه (ص)
|
بعد اربعة عشر قرناً من هجرة النبي (صلى اللـه عليه وآله) لايــزال هذا الســؤال حائرا بيننا: لماذا لم ننتفع بشخصية الرسول (صلى اللـه عليه وآله)، من هذه الرحمة الالهية التي اسبغها اللـه - تعالى - على البشرية جمعاء، ومن هذه المنة التي تفضل اللـه بها على عباده؟
ترى لماذا لم نستفد من حياته الشريفة بالشكل بالمطلوب بالرغم من ان عواطفنا واحاسيسنا مليئة بالحب تجاهه؟
اين نحن من سيرته، وهديه، ومن خلقه العظيم، وتوجيهاته، والرسالة الالهية التي انزلت عليه؟
ان امامنــا طريقاً واحــداً يسلك بنا الى الحق، والى رضوان اللـه في الآخرة، والخير والرفـاه في الدنيا، هذا الطريق هو ان نعيش في حياتنــا؛ شخصية قائدنا وامامنــا رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله).
والسؤال المطروح هنا هو : كيف نعيش هذه الشخصية العظيمة في حياتنا؟
ان النبي (صلى اللـه عليه وآله) الذي يعتبر الحبل الممتد بين الارض والسماء، انما يعاش اذا اعتصمنا بهذا الحبل الذي يمثله، ووحدنا صفوفنا، واتبعنا من يمثله عبر التأريخ. فهو (صلى اللـه عليه وآله) لم يرحل عن هذه الدنيا حتى استخلف فينا خلفاء اصطفاهم اللـه - سبحانه وتعالى - لاتباعهم، والتمسك بهديهم، وبهذا الاتباع نكون قد شكرنا رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) على جهده وسعيه .
والخلفاء بدورهم امرونا باتباع قيادته. واتباع هذه القيادة، والاعتصام بحبلها، والالتفاف حولها هو في الحقيقة احياء لذكرى رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله)، واحياء لنهجه، واستمداد من الرحمة الالهية التي انزلت معه.
وفي هذا المجال يقول - عز من قائل -: (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُــولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ) (النساء:64)، فطــاعـة الرســول (صلى اللـه عليه وآله) هي الهدف من بعثته، لا ان نكتفي بالايمان القلبي به من دون طاعة وعمل، فهل يمكن ان يكون هناك ايمان مفرغ من العمل؟
ان طاعة اللـه - عز وجل - في طاعة رسوله، وطاعة رسوله واستغفاره لنا هي التي تطهرنا من الذنوب كما يقول تعالى:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء:64).
ان اللـه - تعالى - انما يتوب علينا، وتعود الينا رحمته، وترجع الينا وحدتنا في ظل "لا إله إلا اللـه". وتعود الينا عزتنا الايمانية، وحضارتنا التي هي حضارة الخير والرفاه للبشرية، اذا استغفرنا اللـه - عز وجل - من خلال العودة الى رسوله.
ان اللـه يغفر الذنوب، وهو تواب رحيم، ولكن بشرط ان تستكمل التوبة شروطها، وشرط تحقيق اسم ( التواب الرحيم ) في واقع الانسان ان يكـون طريقنــا الـى اللـه -جلت قدرته - سليماً، وصراطاً مستقيماً، وهذا الصراط يتمثل في رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) الذي ما يزال موجودا فينا عبر من أمر بطاعته. أولم يقل النبي (صلى اللـه عليه وآله) في حديثه المشهور المتفق عليه بين جميع المذاهب الاسلامية: "اللـهم ارحم خلفائي" قالها ثلاثاً ، قيل: يا رسول اللـه ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يتبعون حديثي وسنتي ثم يعلمونها أمتي ".
أفليس العلماء باللـه، الامناء على حلاله وحرامه، المتصفون بصفة الربانية، أوليس هؤلاء بين ظهرانينا، أولا نستطيع ان نجعلهم شفعاءنا عند اللـه - جل وعلا - من خلال اتباعهم؟
ان استغفار الرسول (صلى اللـه عليه وآله) للامة هو شرط لعودة الرحمة الالهية اليها، والرسول (صلى اللـه عليه وآله) لا يستغفر للامة إلا عندما تعود الى سيرته.
ثم يؤكد - تعالى - على فكرة مهمة من خلال قوله :
(فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (النساء:65)، أي حتى يجعلوك حاكما بينهم في اشد القضايا واكثرها خلافا؛ الا وهي قضايا الخلاف التي يشير اليها - تعالى - بـ ( الشجار )؛ أي فيما يبرز بيننا من خلافات.
فـإن كنا نؤمن جميعاً باللـه والرسول فلماذا الاختلاف؟ ولماذا التفرقة؟ ولماذا التنابز بالالقاب، والعنصرية، والطائفية، والحدود، والمسافات الفاصلة؟ ولماذا لانوحد صفوفنا؟
ان قولنـا ان رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) هو قائدنا لايكفي، فالقائد يوحد جماعته، فلماذا - اذن - لا نتوحد تحت رايته؟
فبعد اتباع القيادة، لابد من الاهتمام بالوحدة على اساس هذه القيادة، وتأكيداً على هذه الفكرة يقول - تعالى - بعد ذلك القسم من الآية :
(... ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).
وهكذا فان الرسول (صلى اللـه عليه وآله) يوحد صفوف المسلمين، وهو القاضي بينهم، والحاكم عليهم دون ان يكون لهم الحق في الاعتراض على هذا الحكم حتى بهواجس قلوبهم. فالحاكم لا يحكم دائما في مصلحتك، فقد تكون مخطئا فيحكم عليك، وإذا حكم عليك فانّ هوى نفسك سيدفعك الى معارضته علنا، او على الأقل فانك ستضمر المعارضة له في قلبك، في حين ان اللـه - عز وجل - يشير بصريح العبارة الى ان مجرد اضمارك لهذه المعارضة ، ووجدانك الحرج في نفسك مما قضى به رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) سوف يكونان سببا لاختلال ايمانك وضعفه :
(فَـــلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُــونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِــدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجــاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُــوا تَسْلِيمــاً). (النساء:65).
والحرج هو الضيق والمخالفة النفسية ، والتسليم يعني الاذعان الكامل لما يأمر به.
وكل ذلك لا يمكن ان يحدث إلا من خلال الاستغفار، ومن ثم الخضوع للقيادة، وتوحيد الكلمة، وبذلك تعود الينا عزتنا وحضارتنا.
|
|