لنوقظ الفطرة السليمة بمناسبة العيد
|
*محمد علي جواد تقي
ما أجمل و أروع الشعور بالتضامن والتعاون والتكافل...! ربما يوحي البعض لنفسه أنه سعيد عندما يحقق مصالحه الشخصية، لكن لا يلبث ان توقظه فطرته عندما يوجه السؤال البسيط والعفوي لجاره او صديقه: (كيف حالك...)؟! فيشعر بلذة غريبة الى حدٍ ما، فقد منح الطرف المقابل شيئاً من اهتمامه، ولم يخسر شيئاَ من مصالحه. ولسنا بصدد النصيحة بالإيثار والتضحية وغيرها من القيم السامية، ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك، لكن حريٌ بنا ان نلتفت لنداء الفطرة التي لن تسكت في ضمائرنا مهما كانت ظروفنا، والسبب هو ان واضع هذه الفطرة في نفوسنا هو الله تعالى الذي يريد لنا الخير والسعادة في هذه الحياة الدنيا، وليس الشقاء. هذه المعادلة هي التي نحوم حولها في العراق – كمثال – فلماذا المشاكل والازمات بدل ان تحل تزداد عدداً وتعقيداً يوماً بعد آخر؟ هل المشكلة في السلطة التنفيذية في البلد كونها المسؤولة عن أمور البلدية والامن والخدمات والتعليم و... الى اخر القائمة؟ أم عندنا قلة امكانات وقدرات كما هو حال بعض الدول الفقيرة في العالم التي يشكو بعضها الجوع وبعضها الافلاس؟ أم عندنا أزمة في القوانين والشرائع...؟
المشكلة – باعتقادي القاصر- تكمن ان كل واحد منّا يرفض النظر على وضعه والمكان الذي يقف عليه، ويشير في الوقت نفسه على الآخرين بتغيير اوضاعهم وافكارهم. إنها داء (الأنانية) القاتل الذي يجتاحنا دون ان نشعر بعواقبه المستقبلية. ففي كل خطوة في الشارع – إن لم أكن مبالغاً- يمكن مشاهدة حالة أو اكثر لمصابين بهذا الداء، وهم باوضاع ظاهرية طبيعية، بل وغالباً ما يشعرون بالفخر والاعتزاز بما في أيديهم. سائق سيارة أجرة بعد ان أظهر تبرّمه من إطلاق إحدى السيارات الكبيرة منبهاً صارخاً، وقال: كان الى جنبي قبل فترة شخص روى أنه كان يجلس خلف مقود سيارته ولدى وصوله الى التقاطع تراصفت الى جنبه شاحنة ضخمة، وبشكل مفاجئ و دونما سبب أطلق سائق هذه الشاحنة زعيق منبهه ممزقاً حالة الشرود التي كان غارقاً فيها أو حسب تعبيرنا (صافن)، وفي الحال أحسّ باضطرابات داخل جسمه، فكان لابد من زيارة المستشفى والطبيب وما إلا ساعات ويتضح إصابة هذا الانسان – الضحية بداء السكري.
وما أن وصلت الى بيت أقاربي و رويت لهم هذه الحادثة المؤسفة، حتى أضافوا ليّ حادثة لا تقل عنها روعاً وفظاعة، عندما انتفض كل ساكن في الدار وفي الدور المجاورة من رجل وإمرأة وطفل رضيع، على وقع طرق باب عنيف مصحوب بصراخ وصياح شخص ينادي باسم احد الاشخاص. خرج الناس مذعورين، فيما بقي الآخرون خلف الابواب تحسباً لوجود مكيدة او مؤامرة...! وتبين أن الصارخ والهائج إنما كان يطلب سيارة من جيرانه لايصال والده الى المستشفى لوعكة صحية ألّمت به بسبب كثرة التدخين....!!
انه الحديث القديم – الجديد دائماً، الجميع يتحدث عنه ولا من مجيب، ولا من تغيير، والغريب حقاً أننا دائماً نطمح الى التغيير ونطالب بتحسين الاوضاع وازالة المشاكل وحل الازمات. وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (حب لأخيك ما تحب لنفسك)، وهذا أمير المؤمنين الراقد بالقرب منّا، يمرّ من عند قصاب فيدعوه لشراء اللحم، فيعتذر عليه السلام، لكن القصاب يلحّ عليه، ويقول: ابيعك بالدين، فيقول: لا اشتري اللحم ولا استدين. ثم أردف بالقول: آكل اللحم مرة واحدة في السنة، وهو يوم عيد الاضحى حيث أعرف ان معظم المسلمين يأكلون لحوم الأضاحي.
لا نعتب على الموظف او المدير او الوزير أو رئيس الوزراء او حتى القائد العام، فكل هؤلاء إنما هم اشخاص بمفردهم، يجلسون خلف مكاتبهم، إنما الصلاحيات والامكانيات التي نتحدث عنها، أعطيناها لهم بأدينا، فقد ولّى زمن الديكتاتورية والاستبداد وكتم الانفاس، أليس كذلك...؟! إذن؛ بالحقيقة عندما نشكو ونتألم ونطالب، إنما نتحدث مع أنفسنا، وليتنا – والحال هكذا- ان نتوجه بالحديث مع ضمائرنا ونلتفت لفطرتنا السليمة التي فطرها الله تعالى. ونبدأ من أول فتحة باب الدار صباحاً وإلقاء أول نظرة على الجار ثم على الأرض ومكب النفايات و مروراً بوسائل النقل والشارع ومحيط العمل والسوق و.... الى آخر القائمة. ولا أجانب الحقيقة إن جزمت بان هذه الحالة الصحية المنعشة، هي التي ستجبر الطرف الآخر في البلد وهي الدولة او الحكومة لإعادة التفكير في قوانينها وطريقة عملها، لأن الجميع في حالة يقظة وتواصل وحيوية كالجسد الواحد النابض، فان لم يسرعوا يكونوا في عداد الأموات – لا قدر الله لهم- !
كل عام والشعب والحكومة بألف خير
|
|