الرقابة الذاتية.. حصن للأمان
|
لطيف القصاب
غالبا ما يثير مفهوم الرقابة الخوف في النفوس، لما يضعه من محددات على السلوك تتولد عنها تلقائيا مشاعر الضيق وفقدان الراحة والامان فيرفض الإنسان – في مورد الاختيار - الرقابة جملة وتفصيلا ما عدا ما يمكن تسميته بالرقابة الذاتية أي مراقبة الإنسان لنفسه بنفسه. هذا على مستوى الفرد، غير أن الرقابة تأخذ منحى مغايرا في الشأن الاجتماعي العام وتتحول في احيان كثيرة إلى مصدر للراحة والامان لا العكس، فثمة شبه اجماع على ان الرقابة تمثل جوهر الحفاظ على النظام، والعنصر الفعال في ردع ما يجب ردعه من المخاطر والتحديات التي تواجه المجتمعات البشرية باستمرار، ولا يمكن لهذه الرقابة الا أن تثمر عن نتائج طيبة حينما يكون ميدانها العمل على منع انتشار الجرائم والامراض والفوضى داخل المجتمع، وفي متابعة تشريع وتطبيق القوانين والتشريعات، والحد من آفات الفساد المالي والاداري، ونحو ذلك مما هو موجود في صلب اعمال الدول العصرية.
في الميدان السياسي تعد الرقابة ضرورة لابد منها للتغيير والاصلاح وحين يكون السياسي هو الماسك الفعلي بسدة السلطة الرقابية، وينتفي اثر الرقابة الذاتية من نفسه وتتغول لديه الرغبة في الاستحواذ والاستئثار فلابد حينئذ من وجود رقابة ما على هذا السياسي، حفظا على المصلحة العامة، وتجنبا لحدوث كوارث باهظة التكاليف. ولكن ما هو نوع وطبيعة الاليات الرقابية التي من شأنها اعادة مسار السياسيين والسياسة بشكل عام إلى جادة الصواب؟
ان الجواب على هذا التساؤل يستدعي الاتيان بمثال لبلد يعاني من وطأة الفوضى السياسية وتشخيص ما هو شاذ فيه، فلكل بلد ظروفه الشاذة الخاصة به التي قد تعد طبيعية في أمكنة اخرى من العالم ولكل بلد طرقه المعتادة في تصحيح اعوجاجات مسارات الاحداث فيه.
هناك من يعمد إلى الأطر السياسية والقانونية السلمية وهناك من يلجأ إلى العنف والقوة الشعبية وهناك من يراهن على تدخلات القوى الاجنبية، وكل بحسب طبيعة نظامه السياسي وسايكولوجية شعبه الاجتماعية وظروفه الداخلية والخارجية.
في العراق لا تزال التجربة السياسية المعاشة تموج في فوضى عارمة ويكتنف الخطأ العديد من مفاصلها بإقرار جميع المنصفين حتى من انصار هذه التجربة المستميتين، بيد ان اللجوء إلى العنف الداخلي او الاستنجاد بالاجنبي تحولت إلى خيارات عقيمة وممجوجة بالنسبة للعدد الأكبر من افراد الشعب في مقابل الاحتكام إلى المتغير الجديد وهو الدستور المنظم لمجمل العملية السياسية اسوة بدول المؤسسات والقانون، لكن ثمة من يشكك في جدوى هذا التوجه آخذا في الاعتبار الواقع العملي الحافل بخرق القيادات السياسية التي تتالت على كتابة الدستور العراقي الدائم للكثير من بنوده وعلى نحو شبه مستمر.
وما الدعاوى القضائية التي عملت على تحريكها مؤخرا مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني ضد معطلي العمل النيابي والمستفردين بامتيازات لا يستحقونها، والمتورطين في قضايا فساد من الطواقم السياسية الحاكمة الا خطوة عملية مهمة على هذا الصعيد سيكون لها ما بعدها.
|
|