الغربة والحنين.. في الشعر البحريني
|
*حيدر ناصر
ويا وطني ان غالني فيك غاسلٌ
وعشت كئيباً فوق أربعك الخضرا
فما كان لي إلاّك في الارض غايةٌ
ولم أبغ إلا من ترابك لي قبرا
و اني ورب العرش فيك متيمٌ
وراضٍ ولو جرعتني العلقم المُرّا
هذه الابيات للشاعر البحريني عبد الرحمن المعاودة وهي أبيات قد تجد الكثير من امثالها عند الشعراء العرب. فهذه الحرارة والحنين الى الوطن نابعة من احساس اي شاعر عربي يعيش الغربة، فيشتد به الاشتياق الى وطنه فينعكس شعوره على شعره ولكنك تجد هذه السمة ملازمة للشعر البحريني قديماً وحديثاً، ومنصهرة في اجواء القصيدة البحرينية ومعبرة عن المحتوى الموضوعي والصفة الاساسية للادب البحريني. ولسنا نشير هنا الى ظاهرة تفشت في الشعر البحريني وجاءت من خلال التقليد والمحاكاة، انما هناك عوامل موضوعية نتيجة طبيعة حياة هذا الشعب فضلا عن عوامل ذاتية - فسيولوجية أدت الى ظهور هذه السمة والخاصية، فالشعب البحريني تجاري - بحري ينزع الى الحركة والهجرة ورغم ان الكثير من الشعراء طاب لهم المقام في مواطنهم الجديدة إلا انهم لم يفقدوا حنينهم لوطنهم الاول، لذلك فقد لازم الشعور بالاغتراب والحنين الدائب الى الوطن الشعر البحريني كما افرزت هذه العوامل نزعات وخصائص مهمة في الشعر العربي، منها الوصف، فنرى الشاعر البحريني يصف مرابع وطنه ومناظره ومعالمه باشتياق فيصف النخيل والبحر وهو شديد العناية بتصوير هذه الاجواء يقول عبد الرحمن رفيع:
تستقي ريشتي من اي الينابيع
ومن أيه أخطّ قصيدي؟
أ من النخل في بطاحك تلهو
كالعذارى في ظل حلم سعيد؟
أم من البحر وادعاً و ودوداً
واذا ماج غاضباً كالرعود
أم من السامرين والانجم الزهراء تحنو عليهم من بعيدِ
انت يا درّة الخليج عروسٌ
بل ربيعٌ من الشذا والورودِ
و تأتي قصيدة ماجد الصادقي بمنزلة دعاء يبتهل فيه لان يحفظ الله وطنه وأهله:
ياساكني (جد حفصٍ) لاتخطفكم
ريب المنون ولا نالتكم المحنُ
ولا عدت زهرات الخصب واديكم
ولا أغبّ ثراه العارض الهتنُ
الدهر شاطر ما بيني وبينكم
ظلما فكان لكم روحٌ ولي بدنُ
ويستذكر (علي شبانه) ايامه في وطنه فيتفجر حنينه اليه ويبعثه وفاؤه ليصور طيب ارضه وصفاء سمائه وطيبة ناسه؟
والى (أوال ) تروع قلبي كلما
سرت الصبا من تلكم الساحاتِ
والى نواحي أرضها و ربوعها
ولما بها قد مرّ من اوقات
وعراصها الفيح التي قد طُرزت
أطرافها ببواسق النخلات
ويرسل (علي البحراني) سلامه واشتياقه مع (نسيم الريح) الى اهله واحبابه:
يانسيم الريح ان جئت (المقاما)
فابلغن عني احبابي السلاما
سفر قد صار من أهواله
فيه كل المستحبات حراما
طال حتى ملت الروح به
الجسم والقلب به حل (المقاما)
وعلى عادة الشعراء القدامى يستسقي عبد الله عبد القادر لبلده (هجر):
لقد غادرت في (هجر)فؤادي
وإن أمسيت في أرض سواها
بها أهلي وجيراني وصحبي
سقاها الله من بلد سقاها
وعندما يشتد شعور الغربة بـ (عبد الرحمن المعاودة) يتحول الى ألم وحرقة وعتاب:
هو الماء لكن في لهاتي صابُ
فهل لي للبحرين بعد ايابُ
فيا موطني لو استطيع فديته
بروحي ولو عندي عليه عتابُ
ونجد في شعر (احمد الخليفة) شعور بالغربة الداخلية وهي جزء من معاناته
واضرب في القفر وحدي بلا
رفيق اناجي الرُبى والهضابِ
وتدفعني نحوه مهجةٌ
تريد عن السر كشف الحجابِ
ولكن اذا جئت بالقرب منه
تلاشى فألقى بكفي الترابِ
فيا ويح في الارض حال الاريب
فما نال في الارض إلا العذابِ
ويرتاد بالروح دنيا الغيوب
فتربطه رجله بالترابِ
وهذه النزعة في الحنين الى الوطن والشعور بالغربة الطاغية ليست طارئة أو مستحدثة في الشعر البحريني فجذورها موجودة واثرها متأصل راسخ في القدم، يقول ابو زياد الكلبي:
أراك الى كثبان (يبرين) صبه
وهذا لعمري لو قنعت كثيب
وان الكثيب الفرد في ايمن الحمى
اليّ وان لم آته لحبيبُ
وانشدت شاعرة بحرينية قديمة:
ايا جبلي وادي (عريعرة) التي
نأت عن ثوى قومي وحم قدومها
ألا خليا مجري الجنوب لعلها
يداوي فؤادي من جواه نسيمها
ويقول علي بن المقرب وهو من شعراء القرن السابع الهجري:
ياحبذا وادي (الحساء) وانه
لو ساءني وادٍ اليّ محببُ
بل حبذا (درب الثليم) وحبذا
ذاك القطين به وذاك الملعبُ
ويقول ابو البحر الشيخ جعفر الخطي:
إن انسَ لا أنسَ الربيع بها وما
يجلوه من نوّاره والنورِ
روض يرقّ عليه ناجم زهرهُ
كالصحف بين فواصل وعشورِ
آه وقلّ على (أوالٍ) تأوّهي
فاذا جننت بها فغير كثيرِ
هل لي الى تلك المنازل عودة
يهدأ بها نفسي وفرط زفيري
وهكذا يناسب الحنين الى الوطن بين قصائد الشعراء البحرينيين حتى يصبح طابعا وسمة توسم الادب البحريني مفرزة الكثير من الخصائص الفنية والتجارب الثرة.
|
|