قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

(الكسل). . فيروس النجاح
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة إعداد / ايمان عبدالامير
كانوا ثلاثة أصدقاء في السابعة عشرة من أعمارهم. فرقتهم الايام والظروف القاهرة، فمضت الايام والسنين حتى اصبح أحدهم أستاذا في الفيزياء النووية، والثاني مديراً لشركة انتاج سيارات. أما الثالث فقد تركه صاحباه في السنة الاخيرة من الثانوية، فقد رسب في الامتحانات النهائية، بينما نجح زميلاه فيها، والتحقا بالجامعة.
لم يلتق زميلاه به، إلا بعد عشرين عاماً، وتم ذلك بالصدفة، ومن وضعه الظاهر تبين لهما أنه يعاني من الفقر والعوز. فثيابه الرثة وشخصيته المهلهلة كانتا توحيان بذلك. فبادراه بالسؤال:
- أين أنت ياهذا...؟!
- أدرس.
- أين؟!
- في الجامعة.
- أية جامعة ؟
- أدرس بالمراسلة، فقد طُردت من معظم الجامعات التي انتسبت اليها!
فسألاه عن السبب. في البداية تردد في الاجابة، ولكنه اضطر الى البوح به. فهو شأنه شأن الكثير من الشباب انقلب على نفسه في فترة المراهقة، واستسلم للكسل. وكانت عائلته قد قبلت منه تلك الحالة، فلم تجبره على أن يبذل الكثير من الجهد، فهو سقط مرة ومرتين وثلاثا، حتى اصبح السقوط، وليس النجاح الحالة الطبيعية له.
الفرق الوحيد بينه وبين امثاله، أن العائلة لم تكن تهتم به وتحرص على مسيرته العلمية، كما هو حال الناجحين، وإلا لما كان يضطر الى ان يهيم على وجهه في الشوارع ليحصل على قوت يومه.
كان الرجل واحدا من آلاف الشباب من امثاله، من ضحايا الكسل.
ان الكسل مطية الفشل، كما ان النشاط مطية النجاح. وما من كسول إلا والهزيمة مصيره، فالقدر لا يسوق الحظ الا الى من يستحق وليس الى من يضيعه بتكاسله وتوانيه.
ولذلك قيل ان عقل الكسول معمل الشيطان. فهناك يخطط إبليس لكل مشاريعه في توقيف الحياة.
من هنا قال الامام علي عليه السلام: (الكسل مفتاح البؤس، به تولدت الفاقة ونتجت الهلكة). فلا يمشي الكسل في الطريق إلا ويلحقه الضياع، ويماشيه العوز، ويصحبه التقاعس.
يقول بعض الحكماء: ليس لثلاث حيلة: فقر يخالطه كسل، وخصومة يخامرها حسد، ومرض يمازجه هرم.
فكيف يمكن معالجة العوز من غير عمل؟ وكيف يستطيع الخمول ان يكسب الثروة والنجاح؟.
لقد قال الكاتب والقاص الفرنسي الشيهر فيكتور هوغو: (الكسل أم، ابنها الجوع، وابنتها السرقة) فمن تكاسل لم يكسب، ومن لم يكسب وقع في احضان الجريمة. ونتيجة ذلك معروفة:
فضيحة في الحياة، ونار بعد الممات..
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان الكسل هو الاستسلام للبطالة، فإنه يكون الخاسر الاكبر في الكسل هو عمر الكسول، الذي يذهب بددا في قضاء الوقت بلا انتاج.. وهذا يعني أن ما يبحث عنه الكسول، وهو الشعور بالراحة لن يأتيه أبدا، بل سيأتيه الشعور بالندم.
ترى كيف تأتي السعادة من دون أن يبذل صاحبها ثمنا لها من جهده ونشاطه وعمله؟ يقول الامام علي عليه السلام: (هيهات من نيل السعادة، السكون الى الهوينا والبطالة)، ويقول عليه السلام: (من دام كسله خاب امله).
ولقد عاب الله اقواما على تكاسلهم في أداء العبادات واعتبرهم من المنافقين، فقال عنهم : "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء /142)، وهكذا فان (الكسل يضر بالدين والدنيا). فالكسل يؤدي الى البطالة، والبطالة محرمة في الدين، فقد روي أن الامام علي بن الحسين عليه السلام أرسل الى رجل كان بالمدينة بطالا يضحك منه الناس، ليقولوا له : (إن لله يوما يخسر فيه المبطلون).
وقد سأل موسى بن عمران ربه يوما فقال: ياربّ أي عبادك أبغض إليك؟ قال تعالى: (جيفة بالليل بطال بالنهار).
وقد يقول قائل: ماذا نعمل إذا كنا نشعر بالتعب؟ ألا يحق لنا أن نستريح؟ وهل الاستراحة تعد بطالة؟
الجواب: ان التعب شيء، والتكاسل شيء آخر. فالذي يعمل لا بد من أن يتعب، ومن يتعب لابد من أن يستريح، ريما يستعيد قواه ويعود الى العمل من جديد. ولكن التكاسل هو تظاهر بالتعب، فالكسول لايعمل حتى يتعب، بل يتوانى دائما. يقول الحديث الشريف: (للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم).
يقول الكاتب المسرحي الشهير وليام شكسبير: (المتعب ينام على وسادة من الحجر ليستريح، أما الكسلان فلن يجد الراحة فوق وسادة من الريش).
ولربما يفلسف الكسول توانيه بالزهد في أمور الدنيا، ناسيا ان الله تعالى خلق الحياة كمواد اولية، واعطى الانسان العقل والارادة ثم طالبه بأن ينمي هذه الحياة، وأن يرتب علاقاته مع أخيه الانسان على الحق والعدل والامانة والاخلاص، فهو مطالب بأن يعمل خيرا في الحياة، كما هو مطالب بأن يعبد ربه وإن أي تكاسل عن أمور الحياة، هو زهد في الدين، وليس زهدا في الدنيا.
يقول الحديث الشريف: (إني لأبغض الرجل أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل). والحديث الآخر يقول: (إياكم والكسل فإن من كسل لم يؤد حق الله تعالى، إن الكسل ضد الحياة، لأنه عدو العمل وهو من جنود الجهل). ولذلك فإن المؤمن بعيد كسله، دائم نشاطه، قريب أمله، حي قلبه، فـ (إياك والكسل والضجر، فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة)، فإنه من كسل لم يؤد حقا، ومن ضجر لم يصبر على حق
ولا شك في أن الكسل يؤدي الى الفشل، فلا طريق اقرب الى الهزيمة والاخفاق والخسارة من التكاسل في طلب المعيشة. يقول الحديث الشريف: (لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإن آباءكم كانوا يركضون فيها ويطلبونها). ويقول الامام علي عليه السلام : (إن الاشياء لما ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز، فنتج منها الفقر).
وهكذا فإن الكسل يؤدي الى التواني الذي بدوره يؤدي الى اهمال الصعبة التي تكسبنا النجاح.
وإذا ما اجزنا للكسل أن يضرب جذوره في نفوسنا فسرعان ما يسلب منا طاقاتنا، ليرميها في مزبلة الخمول. والحياة الناجعة هنا هي أن نستخدم هذا الكسل لكي نتحول به من صفته السلبية الى عنصر داعم إيجابي.
تخيل، مثلا، أن امامك مشروعا ضخما يستغرق انجازه ساعات عدة. عدّ نفسك بأنك حالما تنتهي منه ستستطيع العودة الى التكاسل، واقنع نفسك بأن الشيء الوحيد الذي يحول دونك واستمتاعك بكسلك هو هذه المهمة بالذات، ثم اهجم عليها وكأنها العدو اللدود، واقض عليها وانتزعها من سبيلك، ثم كافئ نفسك بفترة من الكسل تكون آنئذ قد استحقتها عن جدارة.
وبعد أن تنمي في نفسك قدرة التغلب على الكسل واستغلال كامل طاقتك لفترة قصيرة، لن تلبث أن تجد نفسك قادرا على الاستمرار في ذلك لفترات أطول. فالسر هنا يكمن في أن تبدأ اولا بإيجاد الصلة بينك وبين طاقتك. وما أن يحدث ذلك حتى تكتشف فيها كنزا لايفنى ومعينا لا ينضب.
وإياك أن تنسى أنك إذا ما بدأت عملا فلا بد لك أن تكمله. فالطاقة تتغذى من ثمرات الانجاز، وتذبل وتتلاشى بالتباطؤ والتراخي.