رسالة التخاطب الانساني. . إننا لسنا وحيدين
|
*عبد الكريم العامري
إذا غاص كل انسان في قوقعته كأنه دخل في صندوق خفي، وأغلق عليه غطاءه، ماذا يحصل؟ بالتأكيد معنى هذا الحكم على نفسك بالانعزال.
لقد كشف الأفراد المنعزلون، عن تجربة مشتركة بين بني البشر، (معجزة التخاطب) أي المبيد البشري الأول والأقوى للعزلة وهو المحادثة، لكن بشروطها الطبيعية.
البعض لا يعرف من أين يبدأ ولا الى أين ينتهي؟ وما هي طريقة الحديث؟ أيكون بصوت مرتفع أم منخفض؟
للسؤال عدة إجابات أيسرها أن تتعلم فن الإصغاء للآخرين على الأقل أو تبدأ بالطقس العام وتنتهي قبل الوصول الى الأمور الشخصية جدا، على أن يكون محادثك غير مريض. يبدأ الناس حتى الغرباء حديثهم دائما عن الجو... حار، بارد، ممطر، جاف أو عاصفي ترابي، ثم تنتقل الحواريات بغير ترتيب الى الدراسة، الصحة، الأسعار أو حادثة ملفتة للنظر وشغلت الناس قبل فترة وجيزة منها الرياضة، حتى المرض وأسماء الأطباء والأدوية يتحدث عنها الناس أو أي شيء،لأن الحديث معناه البحث عن معنى الحياة وليس عنك.
التحدث الى الناس ليس متعة، بل انه مفيد أيضا يشجع التفاهم المتبادل الشافي بين الطبيب والمرضى، بينما يشير مستشارو الحياة الاجتماعية والأسرية الى الأحاديث التي تجري من القلب الى القلب باعتبارها أساس السعادة في الحياة.
تقوم معظم الآراء عن التخاطب على أساس إدراك أن الناس عندما يتبادلون الحديث بأمانة وإفاضة ترتفع الروح الإنسانية وتنتعش وتحل المشكلات أو تقترب من ذلك، فتزيل العوائق الذهنية لتلامس العقول، وتسمح لنفسها بأن تتأثر وتتغير. إن القليلين منا هم الذين بلغ من فقرهم العاطفي حدا يجعلهم لا يتبادلون هذه المحادثات.
هل تعرف ان صوت نفير السيارات (هورن) كأنها تتخاطب عقب الفوز في مباريات أو فرح أو فك الاشتباكات المرورية، هل رأيت أو سمعت بعض الأطفال حينما يتخاطبون عن بعد بواسطة الطرق على أعمدة الكهرباء أو سكك الحديد، كذلك الحيوانات والأشجار وصوت البرق والرعد... هكذا تتحطم العزلة، الرسالة واحدة، اننا لسنا وحيدين.
جد طريقة لتذكير الشخص الذي تتحدث إليه، بأنني هنا وأنت هناك، واننا لسنا وحيدين، لأن سحر الاتصال هو أنه يجعلك تشعر بأنه ليس هناك إنسان غريب عنك. أنت والشخص الآخر تلتقيان كرفيقي سفر، عمل، انتظار في عيادة طبيب... من خلال المحادثة، تتشاطران تجارب تجعل الطريق الحياتية أمامكما أقل خوفا وأقصر مسافة.
تذكر أول الأساسيات في هذا المجال؛ لا تكن أنت العالم البارع في كل شيء وتستخدم مصطلحات ولغة غير مفهومة أو عبارات تخدش الحياء أو رأيك هو الأصوب، أحذر هذا لأن الناس قد تعرف من أنت، حدودك وقدرتك أيضا.
كذلك الابتعاد بالحديث عن الأمور ذات الطابع الرسمي، تركيزه بدلا من ذلك على الآخر باعتباره فردا، ليس فقط التركيز على نفسك ومشاكلك، لأن محادثك أيضا له مشكلاته. لا تكن مثل البعض يقول و يردد فقط: (نعم) أو يهز رأسه ثم يدير الوجه الى جهة أخرى أو تنتابه نوبات من النعاس.
أحيانا نسمع من طرق التعبير عن الحديث الودي من القلب الى القلب، عبارة (لقد اكتشفت فيك نفسي)، هي عبارة غير مألوفة ولكنها معبرة. نحن نكتشف في المحادثات الصادقة أشياء عن أنفسنا في نفس الوقت الذي نذكرها فيه للشخص الآخر.
كثيرا ما نتكلم بصدق أكثر مما يمكننا أن نفكر ونحن وحدنا، نواجه حقائق لا نجرؤ على مواجهتها في خلوتنا، ربما كان هذا السبب في أننا نلتزم في بعض الأحيان جانب السلامة والصمت مجرد تبادل عبارات دون أن نشعر. من الغريب تمسكنا في إصرار حتى بالأفكار التي تقلل من شأن أنفسنا، في حين نرى مبلغ عدم ملاءمتها للطريقة التي يرانا بها شخص آخر.
ليس من الضروري التحدث في كل شيء وفي كل وقت أو حتى بالأمور الخاصة لأن ذلك السعي يجعلنا نهتم بالغريب بدلا من الاهتمام بالقريب. ننجح أحيانا بالصمت وليس بالثرثرة، لأن نوع صمتنا الخاص مع الأصدقاء أو الأقرباء أو بين الزوجين يستطيع أن يصل الى الرسالة الأساسية للتخاطب الإنساني وهي: أنا هنا وأنت هناك..اننا لسنا وحيدين.
|
|