التدبر في (سورة الروم)
احكام الربط بين الآيات القرآنية و الوقائع اليومية
|
*إعداد / زكي الناصر
يُعد سماحة المرجع الديني اية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) من ابرز الداعين الى عملية التدبر في القرآن الكريم لسبر غور الكتاب المجيد واستخراج الدروس والاحكام والعبر التي تفيد الانسان في حياته اليومية. وفي جلسة رمضانية خصص سماحته حديث التدبر في (سورة الروم).
وتطرق سماحته في بداية الحديث عن اهمية التدبر في القرآن الكريم قائلا: "على الانسان ان يربط الايات القرآنية بالوقائع اليومية ليستلهم الرؤى والعبر القرآنية منها ليعرف موقف القرآن الكريم من تلك الحادثة" كما دعا سماحته الى الاستشهاد بالقرآن الكريم واياته المباركات عند كل قضية وفي كل خبر.
الاطار العام لسورة الروم
يرى سماحة المرجع المدرسي ان لكل سورة قرآنية اطاراً عاماً يجمع مواضيع السورة الواحدة – والتي تبدو مشتته في الوهلة الاولى- ويربط بينها في بناء دقيق ومتين. ويقول: "ان كلمة السورة تأتي من (السُور) وهي بمعنى الذي يحيط بالشيء، وهي مفردة قرآنية ذكرت في بداية سورة النور "سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النور /1)، فالسورة هي اطار يجمع المواضيع المختلفة ضمن موضوع واحد ويربط مجموعة من الحقائق ضمن اطار واحد، فكل سورة في القرآن الكريم لها اطار وان اختلفت المواضيع فيها او تعددت".
فما هو الاطار العام لسورة الروم؟
للاجابة على هذا السؤال يقول سماحة المرجع المدرسي: "الاطار العام لسورة الروم يتلخص في الارتباط بين عالم الامر وعالم الخلق"، ولتوضيح هذه الفكرة تطرق سماحته قائلا: "هناك نوعان من الأنظمة والنسق في الطبيعة، هناك نظام ثابت وآخر متغير. فالنظام الثابت هو تلك القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الكون حاكمة عليه، والتي يعبر عنها القرآن الكريم بالـ(سنن). كقوانين الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها وهي ثابتة لا تتغير. واما النظام المتغير فهو عالم الغيب وما يرتبط بعالم الـ(الامر).. فهو قانون يعلو كل القوانين.
فمن القوانين الثابتة مثلا ان النار متى كانت، لازمها الحرارة والاحتراق، لكن هناك قانون اخر وهو "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ" (الأنبياء /69)، فهو امر من الله سبحانه وتعالى مباشرة يغير القوانين الكونية، وهو ما نسميه بعالم الامر. هذه التسمية ليست بعيدة عن المفردات القرآنية، حيث ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في اكثر من موضع حيث قال "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" (الإسراء /85)، ويقول تعالى: "فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ" (هود /82).
والانسان ايضا فيه هذان النظمان، فمن جانب يرتبط جسمه بعالم الخلق حيث محكوم بقوانين الفيزياء والطب والفلك وغيرها، لكن من جانب اخر هناك الارادة والاختيار والتي ترتبط بعالم الامر. فعالم الخلق هو مقتضيات حياة الانسان، من اكل وشرب، اما عالم الامر فهو ما يريد الانسان ان يرتقي ويصبح جليس مليك مقتدر.
فالاطار العام لسورة الروم يرتبط ببيان هذا المطلب وبيان الارتباط الوثيق بين هذين العالمين وهو ما ذكر في الآية الرابعة من هذه السورة المباركة، "فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ" (الروم /4).
الارتباط بعالم الامر بالدعاء
اذا كان عالم الأمر – كما عرفنا- لا علاقة له بعالم الخلق والقوانين الكونية الثابتة، فما هي الفائدة التي تتعلق بالانسان وهو يعيش في هذه الحياة الدنيا؟
هذا ما يجيب عليه سماحة المرجع المدرسي خلال بحثه "من الاهداف الرئيسية لكل رسالات الله ان تبين للبشر امكانية ارتباطه بعالم الأمر وذلك عبر الأدعية والمناجاة المختلفة وعبر التدبر في القرآن الكريم وعبر الفهم الدقيق لاسماء الله الحسنى. فمشكلة البشر انهم لا يعرفون مغزى اسماء الله الحسنى وكيف يمكن لهذه الاسماء ان تتجلى في روحية الفرد وكيف يستفيد منها الانسان في مسيره نحو الارتقاء". ويدعو سماحته المؤمنين جميعاً لان يستفيدوا من اسماء الله الحسنى، عبر دعاء السحر و دعاء الجوشن الكبير وعبر الادعية الاخرى المذكورة في الكتب المعتبرة.
|
|