قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
لو كان موجوداً.. لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجان قهوة
أنظمتنا وحياتنا و (الأسلمة) على طريقة الرسول (ص)
ببساطة متناهية استطاع رسول الله (ص) أن يبني خلال عشر سنوات مجتمعاً متماسكاً ودولة قوية حتى بدا الأمر أشبه بالمعجزة خاصة إذا ما عرفنا الحالة التي كان العرب يعيشون فيها من فقر وضعف وتبعية. وبعيداً عن التكلف والتصنع ومظاهر الأبهة عاش الرسول(ص) في وسط قومه كما عبر عنه أصحابه : كان فينا (كأحدنا) كان يجلس حيث انتهى به المجلس. وكان من التواضع أنه يجلس كجلسة العبد ويأكل كذلك حتى قالت له امرأة مرت به: يا محمد أنت تجلس كجلسة العبد.قال لها: (ومَن أعبدُ مني)، ومع كل ذلك فقد كان أصحابه يهابونه ويقدسونه لدرجة أنهم يتسابقون للتبرك برذاذ الماء المتطاير من الماء الذي كان يتوضأ به.
لقد نجح رسول الله (ص) على جميع الأصعدة في بناء أسس لدولة غير عادية بعيداً عن تعقيدات الأنظمة والقوانين والإجراءات التي تسود عالم اليوم وإنما من خلال قيم إنسانية سامية في التعامل مع الناس وتشجع على قضاء حوائج الناس لان (خير الناس انفعهم للناس) و(من قضى لأخيه حاجة قضى له الله سبعين حاجة).
هذا السلوك الرفيع والأداء الرائع من قبل رسول الله (ص) هو الذي دفع أحد كبار السياسيين الغربيين للقول (لو كان محمد موجوداً لحل مشاكل العالم اليوم وهو يرتشف فنجان القهوة). اعترافاً بقدرة الرسول (ص) على تجاوز كل التعقيدات التي تسود عالمنا اليوم الذي أصبح فيه الإنسان أسيراً في يد القوانين والدساتير والنظم التي قد تبرئ مجرماً وتدين بريئاً في عالم تسوده مقولة (إن العالم لا يشفق على المذبوحين ولكنه يحترم المحاربين) وأخرى تقول (القانون لا يحمي المغفلين).
وتحاول الدول المتقدمة اليوم الخروج من تعقيدات القوانين والنظم التي غالباً ما تسبب إرباكاً للناس في واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولذلك يتم تداول مصطلحات كالشفافية والديمقراطية والإصلاح والتحديث وما أشبه ولم يقتصر ذلك على تلك الدول خاصة ونحن في عصر العولمة إذ أن الدول المتخلفة التحقت بالركب فأصبحت هذه المصطلحات جزءاً من منظومة الحكم في كل دولة لإقناع الناس بوجود تغييرات في أداء الأنظمة على الصعيد السياسي ومع ذلك بقيت معاناة الناس ومشاكلهم ويحاول الزعماء والحكام والمسؤولون أن يُطعّموا خطاباتهم وتصريحاتهم بمثل هذه المصطلحات وكأن مشاكل الناس وهمومهم لا ينقصها سوى ذلك، فتُحل المشكلة ذهنيا عند الحاكم من خلال الخطاب أو التصريح فيما يبقى الناس ينتظرون الفرج.
إن المشكلة لا تكمن في المصطلحات بقدر ما تكمن في الأداء والسلوك الذي ينبغي أن نتعلمه من رسول الله (ص) الذي عندما جاءه إعرابي فجرّ عباءة الرسول حتى بان الأثر في رقبته وزاد الأعرابي في ذلك أن قال لرسول الله (ص) وهو في وسط أصحابه: (أعطني من مال الله يا محمد)، فبان الغضب في وجوه أصحاب الرسول إلا أنه التفت إلى ذلك الإعرابي مبتسماً وأمر له بعطاء.
من دون تكلف وبلا تصنع استطاع أن يأسر القلوب ويوفق بينها بل ويؤلف بين تلك التناقضات القبلية والعنصرية السائدة فجمع العربي مع الإفريقي مع الرومي مع الفارسي بينما نحن وفي القرن الواحد والعشرين وفي ظل العولمة التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة وفي ظل الدعوات إلى عالم خال من العنصريات والطبقيات والعصبيات ترى هنالك من يتهم الناس في ولاءاتهم وانتماءاتهم، او من يدعو وبطرق ملتوية وغير مباشرة عادة الى ثقافة التصنيم وروح الاستئثار والفئوية والحزبية والمصالح الشخصية الضيقة والدفع باتجاه المزيد من التمزق والتشرذم.
وحينما سئل الكاتب الأمريكي مايكل هارت مؤلف كتاب المائة الأوائل في تاريخ البشرية، لماذا اخترت محمد بن عبد الله على رأس المائة الأوائل أجاب: (إن اختياري محمداً ليكون الأول في قائمة أهم رجال التاريخ قد يدهش القراء ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي).
والغريب ومع الشهادات الكثيرة والحقائق المدهشة للنجاحات التي حققها رسول الله (ص) على كل صعيد إلا إن أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تخشى من حالة (الأسلمة) على طريقة الرسول (ص) وأدائه المتميز بشهادة غير المسلمين .
ومع أن ربنا عز وجل يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) إلا إن أنظمة الحكم في بلادنا تفتقر إلى التأسي والاقتداء بذلك السلوك الرفيع والأداء الناجح فهل يا ترى أن الرسول (ص) هو مجرد مرحلة زمنية من الماضي أم أن سيرته واقصد في ذلك الجانب العملي منها على مستوى المعاملة سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً لا تصلح لعالم اليوم ولماذا لا يعمل الحكام والمسؤولون في بلادنا على تقليده؟
لقد ملّ الناس من الدجل والشعارات الجوفاء والكذب التي تسود عالم اليوم الذي أصبح بحاجة إلى مسحة من الحنان والصدق والرحمة لكي يستطيع الناس أن يتنفسوا بحرية هواء نقياً صافياً لأن فساد الأنظمة والحكومات لم يكتف بتلويث البر والبحر بل وصل إلى الذكر والفكر والعرض والأرض والمصطلحات والمحيطات.
إنها دعوة صادقة إلى مراجعة الذات بشفافية وموضوعية بعيداً عن المزايدات والمهاترات فالمفترض أننا (كنتم خير امة أخرجت للناس) فأوضاعنا على كل صعيد لا تسر العدو فضلا عن الصديق ولكم أن تتصوروا الحال نحن الأمة التي تنتمي إلى الرسول الأعظم (ص) على رأس المائة الأوائل في تاريخ البشرية نعيش في دبر العالم، فمن هو المسؤول عن ذلك؟