قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

تسمية الاطفال. . اللبنة الاولى في بناء الشخصية السويّة
*محمود حسين
الإسم... هوية الانسان وعنوانه في المجتمع، فاذا كان جميلاً وقوياً في دلالته كان مدعاة للارتياح والاعتزاز لدى صاحبه، والعكس بالعكس بكل تأكيد، فاذا كان يحمل دلالة سيئة او مقززة فانه يكون مدعاة للكآبة والانتكاس بين افراد المجتمع، ومن هنا قرن الاسلام الاسم بكرامة الانسان، وطالما أوصى النبي الأكرم والأئمة المعصومون صلوات الله عليهم، بالاهتمام بهذا الجانب وعدم الغفلة عنه، وجاء في الحديث الشريف: (خير الاسماء ما حُمد وعبّد)، أي ان يكون من قبيل (عبد الله) أو)عبد الرحمن) وما أشبه ذلك، وكذلك الاسماء الجميلة التي تمنح صاحبها زخماً من الثقة بالنفس مثل اسم (صادق) الذي يعطي لصاحبه صفة الصدق لكثرة مناداته بهذا الاسم، وايضاً اسماء مثل (شاكر) او (كاظم) أو (سجاد) و... أمثالها كثير.
من هنا نفهم مدى حرص واهتمام الاسلام بالجانب النفسي للانسان الى جانب الاهتمام بالجوانب الاخلاقية والروحية والواجبات الدينية، فأن يحمل المولود منذ ايامه الاولى اسماً جميلاً وكبيراً، ويستمر به طيلة حياته، لهو أمرٌ مهم وأساس يؤكد عليه الاسلام في حياة أي انسان، والآية الكريمة تصرح لنا بذلك سلفاً: "ولقد كرمنا بني آدم"، ومن جملة ما كافحه من مظاهر وعادات جاهلية، مسألة التسمية، فقد اذ المعروف عند العرب حبهم للمولود الذكر، فهو لقبيلته وأسرته بمنزلة الفارس المدافع عن الحرمات والممتلكات، ورمز القوة والاعتزاز، لذا كان يضفون عليهم نوعاً من المهابة لشخصيته – حسب تصورهم- فكان ينتخب له اسم مثير ومخيف أو على الاقل يكون بعيداً عن الضرافة و النعومة، لذا نسمع باسماء مثل (صخر) و (حرب) وغيرها. هذه الافكار لم تنقرض رغم مرور اربعة عشر قرناً من بزوغ فجر الاسلام، فهي مستمرة الى حدٍ ما في اوساطنا، فاذا كان الدافع سابقاً هو إخافة العدو من الغزوات على صعيد الصحاري والبراري، فان اليوم الدافع هو الحفاظ على الذكر من عيون الحسّاد وحتى لايصاب بأذى من مرض او داء فيخسرونه! لذا نجد (اليوم) اسماء مثل (زبالة) او (عبد جراد) او (دهش)، و رغم تطورات العصر الحديث وارتفاع نسبة المتعلمين وانخفاض مستوى الامية قياساً في القرون الماضية، إلا اننا نرى بعض الاسر متمسكين بالتقاليد والعادات القديمة، مجترين تقاليد العصر الجاهلي المنقرض.
لنرجع وننظر الى القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام، يحثون ويؤكدون على وضع اسماء جميلة وحسنة للأطفال اسماء مباركة من بركة الله عزوجل، وكان من الصفات الاخلاقية لنبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، انه حينما كان يفتح ويحرر البلدان وينشر الاسلام فيها يبدأ بتغيير الاسماء القبيحة لرجال تلكم البلدان وبعد ان يسلموا، الى اسماء جميلة، بل ان الرسول الأكرم وأهل بيته يدعونا لأن نسمّي اطفالنا قبل ان يولدوا، قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: (سمّوا اولادكم قبل ان يولدوا، فان لم تدروا أذكر أم أنثى، فسموهم بالاسماء التي تكون للذكر والانثى، فان إسقاطكم اذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم يقول السقط لابيه ألا سميتني، وقد سمّى النبي محمد صلى الله عليه وآله محسناً قبل ان يولد).
وهناك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام التي تحدثت على ضرورة تسمية الاطفال بالاسم الحسن، حيث ان هناك اسماء فيها البركة والرزق، وفي حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (لايدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد او علي او الحسن او الحسين او جعفر او طالب او عبد الله او فاطمة من النساء)، وفي الحديث الشريف استحباب ان يُسمى الذكر باسم (محمد) سبعة ايام بعد ولادته ثم يتم تغييره ان شاؤوا، وهناك روايات كثيرة في هذا المضمون لايسعنا ذكرها، بل ان النبي الأكرم له حديث مهم ومثير يقول فيه: من ولد له ثلاثة بنين ولم يسم احدهم محمداً فقد جفاني) أي هجرني! كما كرّه الاسلام لنا ان يسمى الاولاد بأسماء غير حقيقة مثل (حاكم) او (خالد) أو (رزاق) وغيرها من الصفات التي يختصّ بها الله تعالى، نعم؛ ان سبقت بـ (عبد) فتكون محببة كما جاء في رواية مأثورة عن الامام الصادق عليه السلام بأن أصدق الاسماء ماسُمّى بالعبودية وافضلها اسماء الانبياء، وهكذا فان اسم عبد الله وعبد الرحمن هي اصدق الاسماء اما محمد وموسى وغيرها من اسماء الانبياء فهي افضل الاسماء، وقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله (ما من اهل البيت فيهم اسم نبي الا بعث الله عزوجل اليهم ملكاً يقدسهم بالغداة والعشي).
الى هنا؛ عرفنا اهمية وضرورة الاسماء الجميلة ذات الدلالات العظيمة للذكر والانثى على السواء، لكن السؤال كيف نحافظ على قدسية هذه الاسماء لتبقى طرية وذات شأن للانسان وهو يحبو وحتى يشتدّ عوده وتكتمل مداركه ومشاعره ويصبح رجلاً كاملاً...؟
لدينا اسماء جميلة وذات شأن حقاً، مثل (حسين) أو (علي) أو (عبد الله)، لكن لا نلبث حتى نسمع تحويرات لهذه الاسماء لتتحول فجأة الى (حسون) أو (علاوي) أو (عبود) وامثال ذلك كثير، هذا التصرف والسلوك أولاً يذهب من اهمية الاسم، وثانياً يقلل من شخصية وكرامة الانسان لاسيما اذا بلغ مرحلة الشباب وخاض مجالات التعليم والمهن المختلفة، وبسبب كثرة التحدث مع الاطفال ومناداتهم باسمائهم المقلوبة، فان هذا التحوير والتشويه سيلاحق صاحبه حتى الجامعة التي يدرس فيها او المهنة التي يعمل بها في السوق، فتسبب له الحرج الكبير. وكذلك الحال بالنسبة لاسماء الاناث فهي تعاني من نفس المشكلة، فعندنا اسماء عظيمة مثل (فاطمة) و (زينب) و (سكينة) و(انعام) وغيرها، لكن نسمع هنا وهناك تحويرات مثل (تومه) بدلاً من فاطمة (زنوبة) بدل زينب و(نعومة) بدل انعام و(سكنه) بدل سكينة، وهكذا...
سمعت من احد الاصدقاء، ان أباً له شرف السيادة والانتساب الى رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يحرص دائماً على ان يرفق اسماء ابنائه بـ (سيد احمد) او (سيد مهدي) وهكذا... وهم اطفال صغار، فعندما يذهب هذا الطفل الى المدرسة او يتجول في الزقاق او اي مكان آخر ويُسأل عن اسمه، فيجيب بنفس ما يسميه والده، وهذا بحد ذاته مدعاة للفخر والاعتزاز، ويدعو المجتمع لأن ينظر الى الطفل بنظرة مختلفة، واذا انتشرت كهذه مسمّيات وعناوين جميلة على الاطفال، سنشهد خطوة اخرى نحو تكريس ثقافة الاحترام بين الاطفال انفسهم وبين الاطفال والكبار ايضاً.