أيها المواطن: قل ما تشاء ونحن نفعل ما نريد
|
محمد علي
اشهر عديدة، وربما ندخل في مرحلة عام كامل، والساسة وكتلهم وتياراتهم واحزابهم لايزالون في نفق تشكيل الحكومة، وانعقاد البرلمان من عدمه !؟.. كل ذلك مصحوب بحفلة مستمرة من المواقف المتشنجة و التصريحات المتضاربة والاتهامات المتبادلة و..
إننا في بلد نعاني فيه من أزمات متنوعة وكبيرة فإنه ينبغي علينا أن نفكر في إيجاد مخارج للعلاج أكثر مما نندفع باتجاه تأزيم الأوضاع، خاصة في ظل تداعيات هذه الازمات ونتائجها على الأمن والسياسية والاقتصاد، وحياة الناس وماتمس حاجتهم اليه من خدمات ومعيشة يومية، باتت نتيجة الغلاء والبطالة، وغير ذلك من الاسباب، تعصف بإعداد كبيرة جدا من ابناء هذا الشعب الجريح، والصابر. وليس بخاف على أحد ما وصلت إليه الأمور في بلادنا، نتيجة للخلافات المستعصية، و للسياسات المتخبطة التي لا تخضع للرقابة ولا للمساءلة والتقييم والتغيير والتخطيط نحو الافضل، ففي بلد نفطي ليس من المقبول أن تصل فيه الأمور إلى درجة إن نسبة البطالة تصل فيه الى نحو خمسة بالمئة، حسب وزارةالتخطيط، وان نحو سبعة ملايين انسان تحت خط الفقر، بحسب الجهاز المركزي للاحصاء في نفس الوزارة، اما معظلة السكن، او البطاقة التموينية، وهكذا الكهرباء وغيرها مما يرتبط بالقضايا المعاشية، فحدث ولاحرج !؟.. كل ذلك فيما يتمتع (جيش جرار) من المسؤولين والمستشارين والنواب وكبار الموظفين، برواتب وامتيازات خيالية باتت محل سخرية واستهجان وتندر ليس في العراق فحسب بل العالم !؟..
وأما عن السياسات، والساسة، والأمن، وتشكيل الحكومة، وانعقاد البرلمان، و.. فالحديث يطول، ولكن: مع كل ذلك، وبعد الاعتراف بوجوده وبـ(خطره)، فإن ما نحتاجه اليوم هو وقفة حكيمة وعاقلة من أجل الخروج مما نحن فيه من معاناة كبيرة ومع أن كل الأطياف السياسية في بلادنا تجمع على أن الحوار والتوافق هو الطريق الأنسب للخروج من المعاناة الكبيرة التي تعصف بهذا الوطن، ولكن يبدو أن القضية بحاجة إلى أكبر من مسألة الحوار التي لا يختلف أحد على الحاجة إليها دائماً وأبداً، إذ إن ما نحتاجه اليوم هو الجدية التي لا نرى لها أثراً في الطابع العام لسياسات الدولة وهو ما ينعكس سلباً بشكل كبير على الواقع السياسي والاقتصادي للناس فبينما تتكرر تصريحات وعناوين براقة وقد يرافقها تشكيل إطارات إدارية وسياسية لكن المشكلة أن العناوين لا أثر لها على أرض الواقع وكذلك الإطارات لا تعدو كونها مجرد إطارات فارغة المحتوى وليس لها صلاحية أو قدرة على إحداث تغيير حقيقي يؤدي إلى معالجة الأزمات القائمة التي تتراكم عاما بعد عام.
إن الجدية تعني أن تتطابق الأفعال مع الأقوال وتؤدي إلى حالة راقية من الانسجام في العمل والأداء على كل صعيد بينما لا يرى المواطن أثراً لذلك في السياسات العامة وخصوصاً فيما يرتبط بقضاياه وحاجاته اليومية والمعيشية، وربما لا يتوقف الكثير من الناس عند السياسات العامة للدولة والتي ترتبط بالإداريات والقوانين والتشريعات ولكنهم حتما يتوقفون فيما يرتبط بقضاياهم المباشرة سواء ما يرتبط برواتبهم أو سكنهم، ما يتعلق بمعيشتهم وهي قضايا قد تؤدي إلى إفرازات سلبية في حال عدم الاعتناء بها من قبل الدولة وهو ما يحصل شيئا فشيئا من وجهة نظر المتابعين والمراقبين للشأن العام ومن قبل المواطنين بصورة عامة، فالناس قد يرون أن الدولة غير جادة او غير قادرة في معالجة الأزمات وتفتقد سياساتها إلى الوضوح. . كما أن الناس قد لا يثقون بسياسات الدولة التي تفتقد إلى الجدية وهو ما يؤدي إلى تراكمات من الإحباطات نتيجة لهذا الطابع من السياسات الحكومية التي تستخف بعقول الناس ثم تطلب منهم أن يصدقوا ما يقال.
إن أكثر ما نخشاه هو أن نصل إلى حالة من التباعد والتنازع والتأزم إلى درجة أن الجميع لا يرى الحقيقة مع أنها بين يديه فيصبح متناقضاً حتى مع نفسه ومع ما يؤمن به من قناعات وأفكار وهو أمر ليس بالمستغرب في بلد وصلت فيه الأمور إلى درجة أن لا أحد يريد أن يستمع لأحد أو يقبل منه فالكل يريد أن يملي رأيه وطريقته ومع أن هذا حق مشروع للجميع إلا أنه إذا وصل الأمر إلى هذا الحد فمن يستمع إذا كان الكل يتكلم، ويبدو أن هذا هو أحد إفرازات السياسات الخاطئة التي اعتمدت أسلوب واحد من قبل الساسة وكتله واحزابهم، لا مجال فيه لرأي الناس، فنحن: نقرر، وعليكم: أن تقبلوا بما هو موجود. وحتى مع وجود مجلس نيابي (يتبع طبعا الكتل وزعمائها)، لم تتغير الطريقة وربما (لن) تتغير، وإنما يبدل الشعار فتصبح السياسة السائدة، ايها الناس: أنتم قولوا ما تشاءون ونحن نفعل ما نريد!. إننا بحاجة إلى صياغة معادلة سليمة ترتقي بواقعنا السياسي من خلال وجود شراكة حقيقة وتفهم وتعاون في صياغة القرار فنستمع لبعضنا من دون استعلاء ومن دون غضاضة وأبعد من ذلك أن نأخذ برأي بعضنا من دون أن "نستنكف" أو "نستكثر" على بعضنا هذا الحق وفي حديث جميل للإمام علي عليه السلام "من شاور الرجال شاركها في عقولها"، ولكن الأمر يتطلب قبل ذلك أن نحمل معنا مفتاح الحل ويتمثل ذلك في "الجدية" فهل نحن جادون فعلاً؟
والله من وراء القصد.
|
|