ثقافة الفساد والسنن الاجتماعية !
|
أمل زاهد
تسود مجتمعاتنا ثقافة لا تستهجن الفساد ولا تستنكره بل تتقبله كأمر واقع وحتمي، وإن استنكر شفط الأموال على خلفية المشاريع الضائعة وهدر المال العام، إلا أن الفساد الإداري يتسلل بأياديه الخفية إلى بنية المجتمع دون وعي به أو إدراك لخطورة نتائجه! فتنتشر المحسوبية واستغلال السلطة والغش والتدليس وعدم الأمانة في أداء العمل، وعدم الالتزام بالدوام الرسمي، واستخدام سيارة العمل وتلفون العمل لأغراض شخصية وهلم جرا!. ولتجميل القبيح وللتخفيف من وقع بعض المسميات تصبح الرشوة هدية، والواسطة والمحسوبية شوفة خاطر ومراعاة للقرابة، حيث لا ضرر من اللجوء للواسطة لتوظيف الابن أو لينال البعثة، وحتى المتربع على الكرسي يرى من واجبه منح الوظائف والامتيازات لبني عصبته، وإلاّ اتهم بقلة الخير وبالأثرة والأنانية من أهله وعشيرته!
ورغم أهمية الوعي الفردي بضرورة محاربة الفساد بأشكاله كافة في دائرة الذات وما حولها، إلا أن تفكيك ثقافة الفساد ببنيتها الآسنة لا يمكن أن يثمر ويؤتي أكله إلا عندما يبدأ من أعلى إلى أسفل وليس العكس!. ولا يمكن تحليل هذه البنية ومقاربتها ومعالجتها منفصلة عن الطبيعة البشرية والسنن الاجتماعية والظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المجتمعات!. ففي ظل اختفاء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وانتشار الفقر والعوز، وسيادة ثقافة العصبيات والولاءات والمنح وإغداق المكرمات على من لا يستحقها لا بد أن ينتشر الفساد!. وتفكيك هذه الثقافة على المستوى الفردي لا يأتي عبر المواعظ فقط، فالجائع الذي يبحث عن قوته وقوت عياله سينام ضميره رغما عنه، عندما يرى أن الوسيلة الوحيدة لإطعام الأفواه الجائعة هي التحايل والطرق الملتوية! ومن يعرف أن الوظيفة ومورد الرزق ستتجاوزه إلى من هو أقل منه كفاءة إذا لم تكن لديه واسطة، لن يتوانى عن طلب الفزعة إذا ما سنحت له الفرصة!. ومن يعرف أن ابن المدير ينجح وينال أعلى الدرجات دون بذل جهد بينما غيره الذي يتعب ويشقى ويجهد نفسه في المذاكرة، سيشعر بالغبن والقهر والإحباط، وقد توجهه نوازعه البشرية للغش بدلا من التحصيل والإنتاج!. والمجتمع الذي يرى أن ثقافة الولاء مقدمة على ثقافة الإنجاز، لن يهتم بالإنجاز بل سيهتم بتقديم فروض الولاء والطاعة لمن يجلس على كرسي الإدارة. وهكذا تهدر الأوطان!. معالجة هذا الثقافة ودحرها وتقويضها يأتي عبر تطبيق عادل للقوانين وتفعيلها. ودحر الفساد بشتى أشكاله يأتي عبر المساءلة والمراقبة ثم المحاسبة والمعاقبة، والتي تتم عبر تفعيل مؤسسات المجتمع المدني التي تراقب الفساد وتدعم الحكومة في رصد ممارساته!. وقبل كل هذا وذاك سيادة العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وتحسين مستوى الدخل والقضاء على البطالة وتحسين مستوى التعليم ليخرج أفرادا منتجين! .
|
|