مسؤولون ماركة (يابانية والمانية)
|
علي التميمي
رغم نوعية وكم الفساد السياسي والاداري والمالي الذي ينخر في مفاصل الدولة ومؤسساتها في بلدنا من قمة الهرم الى اسفله، ورغم كل اسباب الهدر في المال العام ، والوقت، والفرص، واشكال التزوير، والقصور والتقصير في اداء المهام والمسؤوليات، وفي انجاز الخطط والمشاريع و... فأنك نادرا ماترى مسؤولاً في مركز عال يقدم استقالته بكرامة ومن تلقاء نفسه، او يعترف او يعتذر.. فالاستقالة او (الاقالة) على ندرتها، تأتي دائما اما على وقع فضيحة مدوية او تحت ضغط التظاهرات وبالتالي تملص الكتل والاحزاب والجماعات من مسؤوليتها عبر اجبار المسؤول المنتمي اليها بتقديم استقالته..
في الكثير من بلدان العالم التي تتمتع بنظام سياسي واداري متحضر ومتقدم، يعد المسؤول مهما علا منصبه، مجرد موظف واجير لدى المجتمع، ولايتوانى عن الاعتذار او الاستقالة بل وحتى (الانتحار) في بعض الحالات، لمجرد اخلاله وفشله بأداء مهمته، او تعرضه لشبهة او لشائبة في سلوكه وتصرفه حتى لو كان هذا التصرف بعيدا عن مركزه ووظيفته، او حتى لو كشف ذلك من سجله الشخصي منذ سنوات ماضية. والامثلة على ذلك كثيرة جدا، واقربها ما حدث يوم امس الاول في اليابان حيث قرر وزير الخارجية سيجي مايهارا ، الاستقالة في ظل الدعوات المتنامية له للقيام بذلك، بعد تلقيه هبة من مواطنة كورية جنوبية مقيمة في اليابان. ونقلت وكالة "كيودو" للانباء، عن مصدر مقرّب من مايهارا، الذي اعتبر مرشحاً ليخلف رئيس الحكومة ناتوتو كان، بأنه سيكون أول وزير سيستقيل من حكومة كان التي أعيد تشكيلها في يناير الفائت. وطالب رئيس الحكومة ، امس، وزير خارجيته بتقديم تفسيرات حول تلقيه هبة من شخص أجنبي بطريقة غير شرعية. وكان مايهارا أقر الجمعة بانه تلقى 50 ألف ين من سيدة كورية جنوبية في كيوتو في انتهاك للقانون الياباني الذي يحظر مثل هذه المساهمات من أجل تفادي تأثر السياسات الداخلية بنفوذ قوى خارجية.
وفي المانيا قرر وزير الدفاع الألماني كارل غوتنبرغ ، التبرع بباقي مخصصاته كوزير وذلك في أعقاب استقالته من جميع مناصبه السياسية بسبب عدم قيامه بالإشارة إلى مصادر فقرات كان اقتبسها في رسالة الدكتوراه الخاص، وهو ما اعتبره الوزير المستقيل انه لم يكن متعمدا انما سهوا.وسيتبرع غوتنبرغ بحوالي 31 ألف يورو لأسر ضحايا الجنود الألمان الذين قتلوا في مهام خارجية.وكانت رابطة دافعي الضرائب في ألمانيا قد حسبت هذه المخصصات، وقالت إنها تبلغ بالتحديد 30932 يورو تشمل راتب غوتنبرغ كوزير عن شهر مارس ومزاياه كبرلماني.
الاعتراف الصادق والشفاف بالحق ، وبالخطأ، وعدم الكفاءة، والاعتذار للناس، وتقديم الاستقالة بسبب الفشل او اي سبب عملي او حتى أدبي، نوع من الثقافة لدى المسؤول الصادق المخلص، وهي على اقل تقدير تحفظ له كرامته وعزة نفسه وماء وجه، بل وفي اغلب الاحيان ترفع منزلته وتقديره لدى الجمهور( في بلداننا طبعا وليس في اليابان وغيرها !) . غير أن هذه الثقافة وهذ ا النهج الحضاري في الادارة السياسية وفي مختلف انواع ومراتب الوظيفة العامة مفقودة بشدة في مجتمعنا العراقي كماباقي مجتمعات دول المنطقة. ولكن يبقى أن نشير الى أن للمجتمع وقواه الفاعلة، من مؤسسات جماهيرية او مهنية ورقابية واعلامية و منظمات مجتمع مدني وغيرها، او مايسمى ايضا بجماعات الضغظ، مسؤلية ودوراً كبيراً في تكريس كهذه نهج وثقافة، وهي لو مارست ذلك بجد ووعي وشجاعة فأنها ستسهم بكل تأكيد في نشر وتعزيز ثقافة تحمل المسؤولية والشفافية والصدق في الواقع السياسي والاداري، وبالتالي محاصرة و ونبذ ثقافة(التبرير) و(الاتكالية) وتملص المسؤول أيا كان عن واجباته ، وبالتالي دفعه مرغما (أن لم يكن حاملا لهذا الحس) لتحمل ضريبة اخطائه وفشله، ومن باب اولى فساده..
|
|