الدعاء في القرآن الكريم
دعاء سليمان لشكر النعم
|
*صادق الحسيني
كما أنّ لشأن نزول الآيات مدخلية في فهم النصوص القرآنية كذلك معرفة الظروف الموضوعية التي عايشها الانبياء عليهم السلام حين الدعاء مدخلية في فهم ادعيتهم المباركة ايضاً.
لقد جمع النبي سليمان ابن داوود عليهما السلام الملك و النبوة معاً، و لم يكن ملكاً لكل من فوق هذه المعمورة من بني البشر فحسب بل وكان ملكاً للجن و الطير ايضاً. يقول ربنا تعالى: "وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" (سورة النمل /17)، فقد كان يعلم منطق الطير وحديثهم وحتى الشياطين كانو بإمرته و الريح تجري بأمره رخاءً حيثما يريد هو ومن معه. فلو اراد الانتقال من مكان لآخر أمر الريح فتحمله هو و ثلاثمئة من الانس عن يمينه و مثلها من الجن عن شماله فتحملهم حيثما يشاء يقول ربنا تعالى: "فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ" (سورة ص /36)
و في احدى المرات وهو في رحلته العظيمة محمولاً على بساط الريح استوقفته كلمة سمعها من وادي النمل حيث قالت نملة: "يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (سورة النمل /18). وعند سماعه للنملة أمر باحضارها ليستفهم عن سبب قولها ذلك و جرى حديث بينهما وبعد ذلك الحديث تبسم النبي ودعا ربه بعد ذلك. وقد ورد في الحديث ان النملة بعد احضارها وسؤال سليمان قالت النملة هل تدري لم سُخرت لك الريح دون جميع الموجودات؟ قال النبي سليمان : مالي بهذا علم، فقالت النملة: إنه تعالى عنى بذلك أنه كلما اعطيتك من ملك الدنيا هو كالريح في عدم استقرارها وثباتها و تزول و تذهب وتفنى بسرعة، فحينئذ تبسم ضاحكاً من قولها. وقال مبتهلاً: "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (سورة النمل /19).
الشكر والعمل الصالح
كلما تكامل الانسان وعرف قدر النعم التي اسبغها الله عليه، طفق يشكر الله شكراً جزيلاً ولكنه كلما ازداد وعياً بالحياة ومشاكلها كلّما عرف عجزه عن اداء شكر الله فيدعو الله أن يوفقه للشكر فإن اداء شكر هذه النعم لا يكون الّا بتوفيق من الله جل وعلا واعانته. من هنا يدعو النبي سليمان عليه السلام أن يلهمه الرب تعالى عرفان الاحسان الذي انعمه عليه من هذا الملك العظيم و النعم الوافرة والالطاف التي لا تعد و لا تحصى و هو بذلك يدلنا على أهمية الشكر لأنعم الله تبارك وتعالى .
ومن ثم يدعو النبي سليمان عليه السلام بأن يوفق للعمل الصالح الذي هو اعلى مراتب الشكر حيث يقول "وان اعمل صالحاً" وهو بذلك يعلمنا بأنّ الشكر لا يقتصر على اللسان و انما الاهم ان يتحول الشكر اللفظي الى سلوك عملي حيث يقول تعالى: "اعملو آل داوود شكرا" (سورة /سبأ /13). فالشكر الحقيقي للمولى يعني أن العبد لا يتكلم الّا بامره ولا يفكر الّا بأمره و ان يأكل و ينام ويفكر بأمر سيده ومولاه و ذلك أفضل الشكر فالشكر يجسد وسائل القرب الى الله الذي يقرب عباده الى رضوانه من خلال طاعتهم و ايمانهم .
ادخلني في الصالحين
ومن ثم يدلّنا النبي سليمان عليه السلام على انه لا يأبه بكلّ ما اوتي في الدنيا على حساب نعيم الاخرة وكما نبهته تلك النملة فالملك و ان بلغ ما بلغ من قوة وجند وجبروت الّا انه زائل وفاني وأنّ تسبيحاً واحداً افضل من جميع ذلك الملك العظيم ولذلك يدعو الله ليقول "وادخلني في عبادك الصالحين" وهو بذلك يعلمنا درساً بليغاً اذ يتجرد عن كلما يملك و يطلب من الرب تعالى الفوز بالجنة وهكذا نتعلم ان الانسان مهما ملك في الدنيا الّا ان ذلك ينبغي ان لا يكون على حساب الاخرة فهذا مضرب الامثال سليمان النبي عليه السلام الذي بلغ في ملكه ما بلغ، يدعو من الله ان يدخله في عباد الصالحين حتى يكون جزءاً من هذه المسيرة الانسانية الصالحة من عباد الله في الدنيا و جزءاً من المجتمع الصالح القريب الى الله بايمانه و عمله و السعيد بجنته و نعميه في الآخرة .
|
|