من المواقف الخالدة..
إنه الأكفأ.. فعليكم باتباعه
|
إعداد / مصطفى عبد الله
سيخلد الله سبحانه وتعالى ذكر أناس إتخذوا قرارات صائبة في أوقات حرجة، فهؤلاء في الواقع هم الذين صنعوا مواقف لها بالغ الأثر في النفوس، فتحولت درساً للأجيال، ولذا بقي ذكرهم في الخالدين، ومن هؤلاء آية الله السيد حسين كوه كمري (رحمه الله)، وكان من العلماء المتأخرين والبارزين في النجف الاشرف، وأحد التلامذة البارزين لصاحب الجواهر ومن المجتهدين المشهورين الذين ذاعت شهرة دروسهم على صعيد الحوزة العلمية، وكان كل يوم يأتي في ساعة محدودة إلى أحد مساجد النجف الأشرف للتدريس.
ولاعتبارات خاصة منها مستواه العلمي وكونه أحد تلامذة الجواهري الكبير، كان أغلب الظن يذهب إلى إختياره لموقعية المرجعية العليا للشيعة في ذلك الوقت.
وذات يوم حين كان في طريق عودته إلى المنزل قرر في نفسه أن يذهب إلى حلقة التدريس قبل الأوان بنصف ساعة، ولما وصل إلى المكان المقرر لم يجد أحداً من طلابه بل شاهد في أقصى المسجد شيخاً متحمساً يجلس بين طلابه وهو يلقي عليهم درسه، وأنصت المرحوم السيد حسين إلى حديثه فشعر أن هذا الشيخ الذي لا يملأ العين محققاً من الطراز الأول، وفي اليوم التالي قرر السيد المجيء إلى المسجد في نفس الوقت للاستماع لدرس هذا الشيخ المجهول الذي كانت تبدو عليه آثار الفقر! فاعجب بما سمعه، وأخذ في كل يوم يأتي في الوقت المعين ليستمع إلى درس هذا الشيخ حتى حصل له اليقين بأن هذا الشيخ يتفوق عليه بالعلم والبيان وأنه هو بنفسه يستفيد منه في كل درس شيئاً جديداً، وأن طلابه سيستفيدون من هذا الشيخ أكثر مما يمكن أن يستفيدوا منه.
إن هناك فرقاً بين أن يكون المرء طالباً للعلوم الدينية وبين أن يكون طالباً وطامحاً للمرجعية، ففي ظل المرجعية سيحصل على إمتيازات كبيرة من قبيل صنع القرار والتأثير في الآخرين وقيادة شؤون الأمة فضلاً عن أنه سيكون حراً في التصرف في أموال الخمس والزكاة.
وهنا مكمن الاختبار الصعب والتاريخي للانسان، وأيضاً لعالمنا الكبير السيد حسين (رحمه الله)، فكان المنتصر والغالب هو السيد حسين وليس حب الشهرة والرئاسة.
وفي موعد الدرس، جاء السيد حسين و جلس أمام طلابه وقال: أريد اليوم أن أحدثكم في موضوع جديد وهو أن هذا الشيخ الذي يجلس أقصى المسجد مع هذه المجموعة من الطلاب أقدر مني على التدريس وأكفأ بمقام التدريس وأنا أيضاً أستفيد من دروسه ويستحسن بنا جميعاً أن نذهب إليه ونتعلم على يديه، لننتقل جميعاً إلى حلقة درس ذلك الشيخ، ولم يكن هذا الشيخ سوى من عرف فيما بعد بإسم الشيخ مرتضى الأنصاري!
إن الذي يقرأ هذه القصة يظن للوهلة الأولى أنها قصة عادية وهي لا تبعث على الدهشة والاستغراب، ربما هذا التفسير ينطبق على حال الإنسان العادي الذي لا يكترث لمسألة العلم والتعلم، وأما بالنسبة إلى طلبة العلوم الدينية فأن الحسد يعد من أهم ما يبتلى به طلاب العلم، فأغلب المنخرطين في هذا المجال لديهم الوسواس الذي يدفعهم لإظهار مواهبهم ومراتبهم العلمية أمام الآخرين، وقد ورد ذكر الحسد بوصفه وسواس العلماء في الكثير من الأحاديث والروايات الإسلامية، ولذا فأن أصعب قرار يمكن أن يتخذه إستاذ الحوزة العلمية هو أن يتنازل عن حلقة درسه لصالح عالم آخر، خاصة إذا كان ذلك يتضمن التنازل عن موقعية المرجعية العليا لصالح الأستاذ الآخر.
وبالنتيجة فان بهذا الموقف، لم يبرز فقط برز الشيخ الانصاري بكفاءته العلمية ومقدرته على التدريس والطرح والتحقيق، وإنما برز أيضاً ولمع عالمنا الجليل السيد حسين كوه كمري، بموقفه التاريخي والاخلاقي الرفيع، ليكون درساً وعظة لطلاب العلم والفضيلة.
|
|