في ذكرى ولادته..
الإمام الهادي (ع).. مواجهة الظلم والانحراف على خُطا أسلافه
|
*سعد مغيمش الشمري
إن محبتنا وأعتزازنا بأهل البيت (ع) واتخاذنا إياهم قدوة ومثالاً إنما يعود الى سيرتهم ومواقفهم العظيمة وما عرف عنهم من صلاح وتقوى وإيمان وكانوا بحق فرع طيب من شجرة طيبة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
إن لأهل البيت (ع) مئات الكرامات، وذلك ليس بغريب حيث أصطفاهم الله من عباده وجعلهم حججه على خلقه. وهم من نذروا أنفسهم لله. واستجابوا لأمره ونهيه بسيرتهم ومواقفهم من الظلم والظالمين، وما تضحياتهم في سبيل الله ولخير الانسانية إلا دليل على عظمتهم (ع).
من هذه الشجرة النبوية العظيمة إمامنا العاشر الذي نعيش هذه الأيام ذكرى مولده الميمون، إنه علي بن محمد الهادي (ع)، وأمه (سمانة) ولد يوم 15 ذي الحجة سنة 214 هـ.
*إمامة في عزّ الشباب
ولد الإمام علي الهادي (ع) في المدينة بمنطقة تدعى (صريا) من ضواحي المدينة، وكان الإمام الجواد (ع) قد عمل في أراضي هذه المنطقة فاستصلحها و زرعها وقد أحب هذه الأرض حباً جماً، وبنى بيتاً لزوجته داخل المزرعة حيث ولد الإمام الهادي (ع) في تلك المزرعة، فامضى طفولته في أحضان أبويه حتى السادسة من عمره، حيث دعى المعتصم العباسي أباه الى بغداد واضطر لمغادرتهم، فشكلت هذه الرحلة بداية المأساة بالنسبة للإمام الهادي (ع) فقد استشهد أبوه في بغداد غريباً ودفن في مقابر قريش بجوار جده الإمام الكاظم الذي هو الآخر استشهد في ظل الظلم العباسي.
وقد أوصى الإمام قبل اسشهاده لأبنه الإمام الهادي (ع) وكان عمره 6 سنوات فبقي الإمام يمارس مهام الإمامة بهدوء حتى جاوز العشرين من عمره، و اتسعت شهرته وصار القريب والبعيد يرجع إليه (ع) في أمور دينهم ويهتدون به.
وبعد ان توفي المعتصم العباسي خلفه في الحكم هارون بن محمد الملقب بالواثق، وكان هذا الرجل صاحب لهو وطرب، فترك أمور الحكم بيد وزيره آنذاك وكان يدعى (الزيّات) وكان هذا الرجل قاسي جداً ولم يدم طويلاً حيث توفي وخلفه بعده أخوه المتوكل ودام حكمه 6 سنوات.
وبعد أن اصبح الحكم للمتوكل شنّ الحرب على أهل البيت (ع) فقد كان شديد الكره لآل بيت رسول الله (ص) ومن أبرز شواهد هذا الحقد والكراهية أمره بهدم قبر الإمام الحسين (ع) وحرث الأرض وقتل عدد كبير من زواره ورغم هذا العمل لم تنقطع الزوار آنذاك عن قبر الإمام الحسين (ع)، كل هذه الأعمال التعسفية والقمعية لم تحُل دون توافد المحبين والمؤمنين الى كربلاء، ولم تتمكن من قطع العلاقة بأهل البيت (ع).
إذن، كان المتوكل يكن مشاعر الحقد والعداوة نحو الإمام الهادي (ع)، ولكنه لم يملك عليه حجة يتذرع بها للمساس به (ع).
*مواجهة الطاغية والحاقدين
يروي التاريخ بأن وشاية وصلت الى المتوكل بأن الإمام يجمع المال والسلاح والرجال لشن ثورة ضده فأمر بتفتيش منزل الإمام (ع) وبعث أحد رجاله ويدعى يحيى بن هرثمة وعندما دخل هذا الرجل الى المدينة، ضجّت الناس بأجمعهم، ربما لسابق معرفتهم بقسوته وتجاوزاته وطغيانه، لكنه استطاع اقناع أهالي المدينة بأنه لم يؤمر فيهم بسوء ولا مكروه، ثم دخل منزل الإمام ولم يجد غير المصاحف ورقاع الدعاء، ولكن المتوكل لم يدع الإمام علي الهادي (ع) مستقراً في مدينة جده رسول الله (ص) فطلب منه التوجه الى بغداد، فتوجه الإمام (ع) وعندما وصل الى بغداد خرج الناس لاستقباله يتقدمهم اسحاق بن ابراهيم الطاهري والي بغداد آنذاك، فخاطب ابن هرثمة قائلاً: يا يحيى إن هذا الرجل من ولد رسول الله (ص) والمتوكل من تعلم؟ فإن حرضته على قتله كان رسول الله (ص) خصمك) فأجابه مذعوراً: والله ما وقفت منه إلا على كل أمر جميل!
وفي بداية الأمر بدأ المتوكل يتظاهر بتعظيم الإمام الهادي (ع) وإكرامه، لكنه كان لا يبرح عن مراقبته في جميع تحركاته وتصرفاته وكان من الحين الى الآخر يبعث جماعة لتفتيش منزل الإمام (ع) خوفاً من أن يجمع السلاح وكانت الأخبار تأتي الى المتوكل بأنه يحرض الناس عليه، فيما كان الإمام علي الهادي (ع) يواصل أعماله في خدمة الإسلام الحنيف عن طريق الدفاع عن أصوله فيما كان المتوكل يسعى للإيقاع بالإمام دون جدوى.. بالمقابل كان الإمام الهادي على إتصال بالموالين، فكانت تصله الرسائل والأسئلة من كل حدب وصوب وهو يردّ عليها بالأجوبة المدعومة بالحجة والمنطق ويلتقي الأموال الشرعية فيصرفها على المصالح الإسلامية العامة وقد اتسم بالصلابة والصراحة، وكان يقول (ع): (من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا)
*المعتزّ العباسي و جريمته ..
ذكرنا فيما مضى أن الإمام الهادي (ع) أقام بالمدينة مع أبيه الإمام محمد علي الجواد (ع)، وقد توفي أبوه وهو في السنة السادسة، وبقي حتى بلغ العشرين من العمر وكان ذلك ايام المعتصم وبعد أن دعاه المتوكل الى سامراء وبقي طيلة حكمه حتى قتل المتوكل بيد أبنه وخلفه المنتصر والمستعين بالله والمعتز ويروي أن السنين السبعة التي قضاها في أيام الحكام الثلاثة، كانت تتسم بالهدوء ولم تشهد أية مضايقات كما شهدت فترة المتوكل، لأن الحكام الثلاثة كانوا مشغولين بالتنافس المحموم على السلطة، وهو ديدن السلاطين وطلاب الحكم، لذا ففي فترات وظروف كهذه تنشط حركة العلم والثقافة والفضيلة، ولكن دور الإمام وتحركاته واتصالاته بالمجتمع لابد وأن تثير مخاوف طلاب الحكم والسلطة، وكان آخر الثلاثة هو المعتزّ، الذي فرض على الامام الإقامة الجبرية في سامراء، وهي كانت يومذاك عبارة عن قاعدة عسكرية للدولة العباسية، وذلك بهدف إبعاد الإمام عن مدينة جده المصطفى.
استشهد الإمام (ع) متأثراً بالسم الذي أمر بدسه المعتز في الطعام وبعدها أمر القضاة الكبار بالإدلاء بالشهادة أنه توفي بصورة طبيعية وعندما انتشر خبر وفاته اجتمع الهاشميون والعباسيون وقد صلى على جثمانه الطاهر أبنه أبو محمد الحسن العسكري (ع) ودفن في بيته في سامراء سنة 254 للهجرة.
|
|