في كربلاء المقدسة.. تجارة الأعشاب الطبية تراث و دواء
|
تحقيق / حسين نعمة/ الهدى/ كربلاء المقدسة:
ازدادت اهتمامات الوسط الطبي والمهتمين بالصحة بأساليب الطب الشعبي والعودة إلى الطبيعة لمعالجة الكثير من الأمراض. فبينما تعامل أجدادنا على مدى عصور كثيرة مع النباتات كمصدر طبيعي لعلاج الأمراض وذلك لخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الإنسان، يتم إنتاج الأدوية في عصرنا الراهن باستخدام الكثير من المواد الكيمياوية التي لها اعراض جانبية عديدة. وفي مدينة كربلاء المقدسة اشتهر كثيرون من خبراء الاعشاب في معالجة المرضى سابقا، فالتاريخ الكربلائي يحدثنا عن شخصيات كان روادها يأتون من الخارج الى معالجتهم للخبرة التي يحملوها مثل السيد ابو القاسم الحكيم الذي اشتهر شهرة واسعة في معظم أنحاء العراق، حتى ضرب به المثل في تشخيصه للأمراض وعثوره على الأعشاب الطبية النافعة. وكان يستعمل أيضا الطب النفسي في التداوي والعلاج الصعب الميؤوس منه حينذاك. فضلاً عن الحاج محمد المجبرجي وهو رجل مشهور في الكسور والعظام وقد ذكر بعض المعمرين أنه عالج ساق الملك فيصل اثر اصابتها وهو يتدحرج على الجليد في لندن، فأصيبت رجله برضوض، فعالجها بدقة. وكان يُقصد من خارج كربلاء للعلاج. وهذه المهنة ورثها عن ابيه الشيخ حسين. اما الآن، وفي سوق العلاوي على سبيل المثال وازقته، الواقع في مركز المدينة، تتناثر محال بيع الأعشاب الطبية التي تشهد انتعاشا ورواجا واسعا بين المواطنين..
لقد عرف الإنسان بالتجربة تلك الأعشاب، واهتدى إلى استخدامها لعلاج أمراضه. وبرغم التطور الهائل في ميدان الطب وصناعة الأدوية فان الكثير من الناس ما زالوا يفضلون التداوي بالأعشاب الطبية. فقد استخدم الانسان منذ فجر التاريخ النباتات والاعشاب للتخلص من الامراض والعلل التي تصيبه ويرى بعض المؤرخين والباحثين ان اكتشاف هذه الطريقة جاء عبر الصدفة التي استثمرها الانسان آنذاك لتكون منطلقا لاستخدام تلك المواد في معالجة الكثير من الامراض التي تصيبه، وقد اتبع في ذلك اسلوب التجربة التي كانت تحتمل الخطأ والصواب في هذا المجال ومع مرور الوقت اكتسب خبرة كبيرة في عملية التداوي باستخدام الاعشاب التي تمثل احدى مكونات البيئة الطبيعية المحيطة به. ولعل اول من استخدم الاعشاب في معالجة الامراض هم العراقيون القدماء الذين اكتشفوا الكثير من طرق المعالجة التي كانت تسفر عن نتائج شجعتهم على العمل في تطوير هذا الاسلوب في التداوي. وقد اشارت الرقم الطينية للحضارتين السومرية والبابلية الى اتباع طرق كثيرة ومختلفة في هذا الصدد وتجدر الاشارة هنا الى ان هذا الاسلوب في العلاج ازدهر ايضا في معظم الحضارات القديمة لاسيما في الصين والهند فضلا عن حضارة وادي النيل وصولا الى الحضارة العربية التي بلغت العلوم فيها بهذا المجال الى ذروتها، فقد شهد هذا النوع من العلاج في ذلك الزمن تطورا نوعيا اذ قام الاطباء والعلماء العرب في تأليف مئات الكتب التي سلطت الضوء على ذلك فضلا عن اكتشاف الكثير من الادوية والعقارات التي تدخل الاعشاب في صلب مكوناتها، وهكذا استمر التعاطي مع الادوية العشبية حتى يومنا الحاضر الذي شهد الكثير من البحوث والدراسات في هذا الجانب.
مهنة إنسانية و.. تتعرض للغش أيضاً
الحاج باقر الاسدي صاحب محل للأعشاب الطبية، يصف هذه المهنة بأنها "مهنة إنسانية قبل أن تكون مادية، فالعلاج بالأعشاب أفضل من العقاقير الطبية الكيمياوية لأنها طبيعية وتأثيراتها الجانبية محدودة فضلاً عن رخصها". ويشير باقر جواد إلى أن "هذه المهنة تتعرض للغش كبقية المهن"، موضحا أن "البعض يتعمد إعطاء أعشاب رخيصة الثمن شبيهة بالأصلية ولكن ليس لها صلة بالمرض وذلك للحصول على الربح المادي فقط، لذلك فان 70 ? من الأعشاب العراقية غير صالحة بسبب الغش الذي يمارسها البعض مؤكدا ان عمليات الغش التي تشهدها هذه المهنة ناتجة من غياب السلطة الرقابية ".
اما الصيدلي شاكر محمد فيؤكد ان الوسط الطبي والمهتمين بالصحة "قد زادت اهتماماتهم في الآونة الاخيرة باساليب الطب الشعبي الذي تستخدم فيه الاعشاب في المعالجة، فالعودة الى الطبيعة يعد إحدى الطرق التي اثبتت التجارب فاعليتها في العلاج"، مشيرا الى ان العديد من الادوية والمستحضرات الطبية التي تنتج في عصرنا الحالي "يتم انتاجها من الاعشاب، فقد تعامل اسلافنا على مدى عصور كثيرة مع النباتات كمصدر طبيعي لعلاج الامراض وذلك لخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الانسان وهذا ما يحاول تحقيقه الطب الحديث اذ يسعى العلماء الى انتاج ادوية لا يخلف تناولها تأثيرات جانبية التي تتسببها العقاقير التي يستخدم في صناعتها المواد الكيمياوية"، وبالرجوع الى علم الصيدلة نجد ان العديد من الادوية مستخلصة من النباتات والاعشاب مع اضافات كيمياوية ولهذا نرى العديد من الادوية يتم سحبها من الاسواق بعد ان تثبت التجارب مضار المواد الكيمياوية التي تضاف اليها ما يؤكد ضرورة النظر الى هذا النوع من العلاج بشكل آخر يدفع الى زيادة البحوث في مجال طب الاعشاب .
اما عن المعوقات التي تقف حائلا من دون تطور هذا النوع من العلاج فيقول الدكتور ليث صالح ان "عدم معرفة بعض اسماء الاعشاب لاسيما تلك التي تم وصفها في الكتب القديمة او اختلاف اسمها من منطقة الى اخرى وافتقار العديد من المتعاطين للطب الشعبي للعلم والخبرة، يعد كل ما تقدم من بين الاسباب التي تحول دون التقدم في هذا المجال، ففي بعض البلدان مثل الصين وفي شبه القارة الهندية يتم التداوي بالاعشاب بشكل واسع النطاق وهناك العديد من المتخصصين في علم الاعشاب فهم يتوارثونه ابا عن جد ما يجعل له مكانة كبيرة في العلاج من الامراض وهناك الكثير من المراكز المتخصصة التي تعمل تحت اشراف اطباء متخصصين في هذا الجانب هناك".
366 عشباً طبياً في العراق
اما الحاج رسول صاحب محال أعشاب فيقول أن "في العراق يوجد 366 نوعا من الأعشاب الطبية التي تستخدم كعلاج للأمراض، لكن هناك ثلاثة أنواع أساسية منها تنبت عند حافات الأنهر منها ورد الختمة، والسعد وعرق السوس"، ويضيف "هناك أعشاب تجمع من المناطق الشمالية للعراق منها عشبة حسن يوسف، والمرمينيا، والبابونج، والحيو (السفرجل)". ويتابع "أما الأعشاب التي تشتهر في جنوب العراق فهي الخريط الذي يوجد في قصب البردي لمعالجة الوهن، والقلغان والحنظل، والجعدة"، مشيرا إلى أن الأعشاب التي تزرع في الجنوب قليلة مقارنة بما هو موجود في الشمال ".
وسواء أكان العلاج عن طريق الأعشاب النباتية أم عن طريق المواد الكيمياوية تبقى ارادة الله جل وعلا فوق كل شيء وما هذه المواد الا أدوات او واسطة يجعل الله بها سببا للوصول الى الدواء وصدق القائل ان لكل داء دواء.
|
|