الصيف. . بين الفراغ والعمل
|
* ضياء العيداني
هناك قصة مثل مشهور من أمثال العرب هو: (في الصيفَ ضيَّعتِ اللبن)، حكاية هذا المثل تعود إلى امرأة من العرب كان زوجها يملك من الأنعام كفايته، لكنه كان اكبر سناً منها وإنه شيخ كبير فكرهته فطلقها، ثم تزوجها شاب فقير، وعندما أجدب الناس أرسلت تلك المرأة إلى طليقها تطلب أن يعطيها بعض اللبن فأبى، وأوصى الرسول أن يقول لها: (الصيف ضيعت اللبن) فذهبت كلماته مثلاً، صار يضرب في كل من يطلب شيئاً فوته على نفسه؛ لأن الذي لا يرعى ماشيته في الصيف يعد مضيعاً لألبانها.
ونمر في كل سنة في فترة العطلة الصيفية، فيكون السؤال المحير هو كيف نقضي هذه العطلة الصيفية؟ سؤال يتردد كل صيف على ألسنة الجميع، ولا سيما الشباب وفيما تتنوع طرق الإفادة لتحقيق أكبر الفوائد، فيما لا تزال فئة من الشباب تصرُّ على التعامل مع العطلة بمنطق (تقطيع الوقت) أو قل تضييعه.
لقد كان الصيف وما يزال موسم عمل وإنتاج، بل هو في عرف الزرّاع أحب المواسم لأن فيه حصاد زروعهم ونضوج ثمارهم، لكن بعض الناس تغيرت نظرتهم إلى الصيف فأصبحوا لا يرونه إلا بمنظار الاسترخاء والخمول متعللين بما فيه من الحر الشديد والفراغ الكبير متناسين أن الفراغ فرصة ينبغي علينا اغتنامها.
بين الترفيه ومضيعة للوقت
عندما ينهي الطلاب امتحاناتهم يمنحون عطلة صيفية فاصلة بين كل مرحلتين، والطلبة امام هذه الفرصة الصيفية قسمان: قسم يستغلها بما هو مفيد والقسم الآخر تمر عليه دون ان يستثمر منها شيء وبخاصة وقد اتنشرت وسائل الترفيه وقتل الفراغ بصورة كبيرة مما يسهل على من يقطع الوقت او يضيعه ان لا يشعر به فيمر عليه كمر السحاب دون استثمار، وهذا لا يعني الدعوة الى عدم الترفيه بالوسائل المشروعة ولكن بشرط ان تكون في اوقات محددة لا في كل الاوقات، ومن هذه الوسائل التي تعد مضيعة للوقت اذا مااستخدمت بإفراط:
الفضائيات: الإدمان على مشاهدة الفضائيات سواء داخل البيوت أم الاستراحات أو حتى المقاهي، يؤدي الى تأخر وقت الخلود للنوم إلى ما قبل الفجر، وتأخر معه الاستيقاظ الذي قد لا يحصل إلا قبيل المغرب، وأحياناً بعده، مما فوّت على أصحاب الفضائيات أداء واجباتهم، ويجعلهم لا يفكرون بأن يستثمروا وقتهم في شيء آخر.
الانترنت: وبعد الفضائيات جاء دور الإنترنت والتعلق الزائد بها، متمثلاً في ملاحقة كل شاردة وواردة داخل الشبكة، مع تباري البعض في اختراق المواقع الممنوعة وتصفح ما فيها، الأمر الذي كلف شبابنا مئات الساعات معظمها بلا طائل، لا بل إنها مجلبة للمفاسد.
نعم لو استخدم بصورة صحيحة في الدخول على الاماكن العلمية والمفيدة، فإن ذلك لا ضير فيه لأن التقنية الحديثة سلاح ذو حدّين فيمكن استخدامها بما هو مفيد، لا بما يجرنا الى مضيعة الوقت بالشكل الكامل دون فائدة.
الالعاب: وجاءت محطات الألعاب أو "بلاي ستيشن" لتكمل حلقة هدر وقت العطلة الطويل، فانشغل الجالسون أمام ذاك الجهاز بالتعرف على ألعابه العجيبة، وانقضت أثمن لحظاتهم في محاولات مستمرة لإتقان هذه اللعبة أو تلك، مع الحرص على الوصول إلى المراحل النهائية منها.
إن الوسائل التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر مختلفة، لكن لها نتائج متشابهة سرعان ما تظهر أعراضها على حياة الشاب إهمالاً وكسلاً وتضييعاً للمسؤوليات الملقاة على عاتقه، تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وفي المحصلة تجاه أمته ككل.
أما الضرر الأخلاقي الفادح لبعض تلك الوسائل، وما قد تفتحه على الشاب من أبواب المنكرات، فقد ظهرت صوره واتضحت شواهده بشكل لم يعد يقبل الشك ولا الجدال، مما يتطلب محاصرته ومنع امتداده إلى فئات أوسع من المجتمع، وتهيئة البديل او قل التثقيف في استخدام هذه الوسائل بالشكل الايجابي دون افراط ومضيعة للوقت.
الوجه الآخر للشباب
الصورة السابقة لتعاطي ثلة من الشباب مع الإجازة لا تختزل الأمر، إذ إن هناك فئات أخرى تحرص على استغلال العطلة الصيفية بطرق شتى، واهمها ان يتجه البعض لتطوير ثقافته الدينية عن طريق الدخول الى دوارات حوزوية والتي باتت اليوم منتشرة بفضل الخيرين من المتصدين الى هذا الجانب، والبعض الآخر يتجه نحو إتباع الدورات المتخصصة بتعليم العمل على الحاسوب وبرامجه، أو الدورات التعليمية للمراحل القادمة التي نجحوا اليها، لتكون لهم تقوية في دروسهم المستقبلية، أو غيرها من الأنشطة التي تزود الشاب بخبرات جديدة وعملية.
كما تقوم بعض الأسر بإرسال أبنائها لتعلم حرفة معينة طيلة فترة الصيف، وتواظب على ذلك حتى يتقن الابن تلك الحرفة، وهكذا يوجه رب الأسرة أولاده نحو اكتساب المهارات العملية إلى جانب اهتمامه بإكمال دراستهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى بناء شخصية تجمع العلم والاحتراف، وكما يقول المثل: (الذي يزرع زرعتين لا يخيب) فعلى الرغم من الدراسة واكمالها لتحصيل الشهادة، يضع الى جانبها مهنة يستفيد منها وقت احتياجه لها.
وينطلق الآباء في ذلك من يقينهم بتقلب الأحوال، والذي قد يُلجئ الشخص إلى ترك شهادته العلمية جانباً والتوجه نحو الحرفة التي تعلمها، وفي أضعف الاحتمالات تبقى المهنة مفيدة لصاحبها في النطاق الشخصي، ومن هنا فإنه ليس غريباً أن نصادف معلماً يجيد النجارة، أو مهندساً يحسن إصلاح السيارات، أو محاسباً يتقن الحلاقة، كما تقوم بعض الأمهات في استغلال العطلة الصيفية بتعليم البنات مهنة الطبخ او الدخول في دورات فن الخياطة وغيرها من المهارات المختصة بالمرأة فضلاً عن دخولهن في دورات دراسية للتقوية.
وأخيراً نتمنى من طلبتنا الاعزاء استغلال وقت العطلة الصيفية بما يحقق لهم الفائدة والخير لكي يكونوا اقرب للتوفيق.
|
|