على ضفاف ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع)..
الخوارج.. بين محراب الكوفة و تقهقر الأمة الاسلامية
|
*ضياء باقر
لقد ورد من الأخبار في قتل الإمام علي )عليه السلام( وكيف جرى الامر في ذلك، أن نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكة، فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: (لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا لإخواننا بالنهروان ...)! فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم علياً، وقال البرك بن عبيدالله التميمي: أن أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي، أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء، واتفقوا على شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، ثم تفرقوا، وذهب كل منهم في نيته، فأقبل ابن ملجم لعنه الله حتى قدم الكوفة، وفعل ما فعل من قتله للإمام علي )عليه السلام(، بضربه بالسيف في محرابه اثناء الصلاة، والتي كانت السبب في استشهاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
لماذا تقتل الأمة إمامها ؟
إن وراء استشهاد امير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الإمام المعصوم المفترض الطاعة، أسباب وعوامل اجتماعية ونفسية عديدة، نورد اهمها:
سياسة (الخلفاء) الثلاثة: إن تحرك عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) كان بأمر وفتوى من الخوارج التكفيريين، الذين خالف ظاهرهم باطنهم الخبيث، وهؤلاء لم يظهروا في المجتمع اعتباطاً، بل إن هناك مراحلَ مرّ بها المجتمع بعد وفاة رسول الله (ص)، كان اهمها ظهور فئة خاوية في دينها نتيجة سياسة الخلفاء الثلاثة الذين لم يحملوا الرسالة المحمدية بالشكل الصحيح، والذين اكتفوا من الدين بالظاهر فقط، دون ان ينعكس على سلوكهم، وهذا الأمر الموجود عند الخلفاء انعكس على المجتمع، الذي فهم ان الدين هو التظاهر به، ولهذا فإن أمير المؤمنين حينما تولى الحكم، لم يكن يستهدف من تولي الحكم تحصين التجربة أو الدولة، بقدر ما كان يستهدف تقديم المثل الأعلى للإسلام، لأنه كان يعرف إن التناقضات، في الأمة الإسلامية، بلغت إلى درجة لا يمكن معها أن ينجح عمل إصلاحي أزاء هذا الإنحراف مع وجود تحدٍ كبير يمثله معاوية، وأن معاوية يمثل الشريحة الاجتماعية الكبرى في الأمة الإسلامية، وكان يعرف إن الظواهر السيئة والشاذة التي أبتليت بها الأمة كانت من نتاج حكم أبي بكر و عمر و عثمان، فحصل الانحراف الكبير وبلغ أوجه في عهده، ولم يجد (عليه السلام) من قوة توازي هذا الانحراف الخطير، لكن مع هذا قبل التحدي وخاض صراع الحق ضد الباطل، وبدأ تصفية وتعرية الحكم والإنحراف الذي كان قبله، ومع هذا مارس الحكم وضحى في سبيل أن يقدم الاطروحة الصحيحة الصريحة للإسلام وللحياة الإسلامية.
ثانياً: طبيعة المجتمع الكوفي
ولو عدنا الى الظروف التي واجهها الامام (ع) في الكوفة وراجعنا مراجعة متأنية في مصادر التاريخ يتبين لنا ان اهل الكوفة وعلى خلاف الشائع لم يكن جميعهم من الموالين للامام (ع) وشيعته بل كان فيهم الموالي وغير الموالي، ومن يرى افضليته على غيره، ومن يرى غيره افضل منه، فيهم من هو على استعداد ان يضحي بين يدي الامام (ع)، ومن يعمل ضده وخلاف توجهاته، بعبارة اخرى لايوجد اجماع في الكوفة على التشيع لعلي بن ابي طالب (ع)، فكان نتيجة ذلك ان توجد فئة غير موالية للإمام وهذه لها الدور في التصويت على مايذهب اليه المحسوبون على الموالين من العبّاد الجهلة الذين حملوا فيما بعد اسم (الخوارج)، فكانوا يشكلون ورقة ضغط على الإمام عليه السلام.
ثالثاً: طبيعة العسكر
إن عقيدة القوة العسكرية في زمن امير المؤمنين عليه السلام لم تكن عقائدية، فقد انقسم تبعاً لطبيعة المجتمع الكوفي حتى انهم كانوا يمثلون ثلاث فرق: الموالون للإمام والعارفون بحقه والمطيعون له في كل امر، دون ان يسألوا او يشككوا في اقواله وافعاله، وهؤلاء لم يكونوا بالعدد الكافي – مع شديد الأسف – فضلاً عن تناقصهم في المعارك التي كان يخوضها الإمام (ع)، اما الفئة الثانية فكانت منضوية تحت راية الإمام ولكن ولاءها لم يكن بالدرجة المطلوبة، أما الفئة الثالثة فكانت تمثل الجهلة الذين تحكمت بهم اهواؤهم قبل معرفتهم بدينهم وإمامهم كالخوارج، وهناك نصّ لأبي الحديد المعتزلي يتحدث به عن الجيش آنذاك ويقول: (.. بل واهل العراق الذين هم جنده وبطانته وانصاره فانهم كانوا يعتقدون امامة الشيخين الا القليل الشاذ من خواص شيعته..)، ولذا من الطبيعي ان تكون فيه تيارات وشرائح معاندة ومخالفة بل ومشاغبة ايضا، كما هو الحال في عموم المجتمع الكوفي آنذاك.
انها معاناة القائد الذي لم يطعه جنده والذين اعتادوا على اساليب اخرى تستميلهم وتستهويهم، فكان الامام (ع) يأباها ويقف بوجهها وخير دليل على ذلك ماكان في حرب صفين من موقف للخوارج الذين اصروا على التحكيم، فذهب الإمام مع مطلبهم، وكان الاتفاق بين ابي موسى الاشعري وبن العاص، ولمّا حقق ابن العاص حيلته ومكيدته على الاشعري أسقط في أيدي هؤلاء الجهلة – الخوارج- فطلبوا من الامام (ع) نقض الاتفاق، وهو ما عارضهُ الامام بشدة كون الاتفاق أو المعاهدة سارية المفعول، إنما المشكلة والعيب كانت كامنة في الاشعري الذي انطلت عليه الحيلة، لكن الخوارج ركبوا رأسهم ولم يفطنوا الى حقيقة السياسة الماكرة التي اتبعها بن العاص ومن خلفه معاوية لتضليل اتباع الامام (ع) وتفريق جمعهم.
الخوارج بين الأمس واليوم
واذا ماوضعنا الخوارج على بساط البحث، نجدهم يمثلون ظاهرة تتكرر في كل عصر لمجاميع لا يدخلون الدين عن علم ومعرفة بالله وخلفائه في الارض، وإنما بايمان سطحي ناتج عن أهواء ورغبات ذاتية، واستنتاجات خاطئة، والأهم من ذلك عدم التسليم للأئمة المعصومين من بعد النبي الأكرم (ص) والتصديق والوفاء التي تعد أهم شروط كمال الإيمان الذي سار عليه الأولياء والمخلصون لذا ورد في زيارة أئمة الهدى (عليهم السلام) (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل...)، وهذا ما كان عليه حال الخوارج، قال تعالى: " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً".
وفي عصرنا الراهن نجد الخوارج أمامنا لكن بمسميات أخرى، ربما حاولوا التموّه بمظاهر دينية أو مسمّيات مقدسة، لأجل إخفاء ذيول الامتداد التاريخي الذي بانكشافه يفتضح أمرهم أمام الملأ، وليس أدلّ على ذلك من جماعة (طالبان) الذين ظهروا في افغانستان، ومن قبلهم المذهب الوهابي الذي ظهر في الجزيرة العربية، وكان مستهل انحرافهم الجاهلي و(الخوارجي) هو انقضاضهم على المراقد الشريفة في بقيع المدينة المنورة وهدمها وتسويتها مع الارض، علماً ان تلكم المراقد كانت شاخصة أمام تاريخ أمة بعلمائها ومفكريها ونهضتها الفكرية والعلمية والحضارية من شتى فئات الأسلام وأكنّت كل الأحترام والتقديس لهذه المراقد الطاهرة وطافت حولها طلباً للرحمة والبركة والشفاعة، لكن الوهابيين على حين غفلة جعلوا من هدم المراقد سنّة وشريعة خاصة بهم، لتتواصل المسيرة (الخوارجية) باظهار الدين بقشوره ومظاهره البرّاقة - كما هو موجود- وإخفاء جوهر التعاليم والمفاهيم الاسلامية الحقّة.
|
|