ظاهرة الفرعونية
|
خولة القزويني
الأمم التي لا تستفيد من أخطائها أمم جاهلة تتصف بالحمق والجهل، فعلى مرّ التاريخ تتعرض الدول العربية إلى ويلات ونكسات تدفع ثمنها الشعوب المستضعفة، والأحداث التي تجري على الساحة الآن هي ردات فعل طبيعية لضغط الأنظمة المستبدة والزعامات التي تحولت إلى أصنام أو شبه آلهة ترغم شعوبها على الخضوع المطلق حتى الاستعباد والإذلال.
قبل الإسلام كانت هناك آلهة من الأصنام تعبّر عن سطحية العقلية الجاهلية البدائية وتطورت هذه الأصنام على مرّ التاريخ لتتحول إلى أيديولوجيات وعقائد واتجاهات سياسية أكثر تعقيداً وتفصيلاً، ولهذه الاتجاهات زعامات تعتبر نفسها مصدر إلهام لكل حراك وتغيير سياسي أو اجتماعي ينتشل الشعوب من واقعها البائس، ومصدر هذا الاعتقاد هو الإيحاء المستمر الذي تبثه وسائل الإعلام التابعة لهذه الزعامات باعتبارهم الفرسان الذين سينتشلون المجتمع من حالة الإحباط واليأس إلى حياة العدل والحرية والكرامة. فالتاريخ قطع أشواطاً من عذابات الشعوب المقهورة التي خضعت لهيمنة تلك الأصنام التي حكمت شعوبها بقبضة من حديد حتى صار من الممكن أن تتبلور كظاهرة سياسية لها نسيج موحّد يطلق عليها (الفرعونية) تجمع الحاكم والمحكومين في هيكل سياسي موحّد في عناصره، وقد كان فرعون مصر أول رمز ومن بعده انطلقت سلسلة من الفراعنة حكمت الشعوب الأخرى، وهي ظاهرة تتكرر على مرّ التاريخ رغم اختلاف مكونات كل مجتمع عن الآخر إلا أن القاسم المشترك هو هوية الحاكم الذي يجمع هذه المجتمعات أو الزعيم الطاغي الدكتاتور الذي ينفرد بالزعامة منتهجاً سياسة القمع والتنكيل بدءَاً بأصحاب الرأي الحرّ والفكر المستنير الذين يشكلون وعي المجتمع، ثم يليه شراء الذمم الرخيصة والأقلام المأجورة ويقرب علماء الدين (وعّاظ السلاطين) لدعم شرعيته، وتلتف حوله بطانة من المنافقين تنفخ في ذاته حتى يُجن عظمة وتبررأفعاله الإجرامية بالتلاعب بالقوانين والتفنن في تطويعها رهناً لأطماعه الجشعة فيستبيح مقدرات شعبه وخيراته، بينما وسائل الإعلام التابعة لسلطته توجه الرأي العام بالاتجاه الذي يخدم مصالحه، فتعمل على تخدير الناس بالشعارات المموهة للحقائق ومشاغلتها في اللهاث وراء لقمة العيش والانسياق وراء الملذات التي تنسيه همومه فيتراجع حضارياً واقتصادياً وثقافياً، ويجمع (فرعون) يطارد المفكرين والمثقفين فيزجهم في السجون والمعتقلات ويجمع حوله الشعراء والأدباء والكتّاب المرتزقة الذين يصقلون وجهه القبيح بتفانينهم الأدبية ليرددها الشعب كأنشودة تكرّس فيهم الولاء والانتماء لنظامه.
ومن هنا كان من الصعب الانسلاخ عن النظام الفرعوني وانتزاع المفاهيم المنسوجة في شخصية الشعب المحكوم ما لم يتغير فكرياً ويتطهر من النزعة الانحسابية حتى الانقلاب الكامل وإحلال مفهوم حركي يدفعه إلى الانتفاض على واقعه المتخلف، فإننا على مسرح الأحداث نستقبل كل يوم قائمة متنوعة من المعتقدات والأفكار المتخلفة ولكن المعتقد الأجدى نفعاً والأكثر انسجاماً مع فطرة الإنسان هو اعتقاده بالله عز وجل والبراءة من كل الآلهة الأخرى سواء كانت نهجاً سياسياً، أيديولوجية ما، زعامة تفرض على الإنسان إرادتها وتسلبه حرية القرار والتفكير وهذا جوهر الاعتقاد بـ (لا إله إلا الله)، فالاعتقاد الراسخ والحقيقي بالله عز وجل هو القاعدة الصلبة التي ينطلق منها الإنسان في حراكه التنموي للتحرر من عبودية الفراعنة والأصنام والرموز الوضعيّة التي تحكم البشر بالحديد والنار، إذ لا يجتمع في قلب امرئ ولاءان أو حبان إما قانون الله أو قانون فرعون وإلا وقع في فخ الازدواجية والتذبذب والتناقض الذي يسلب استقرار الإنسان وتوازنه النفسي. ولهذا لا يمكن للإنسان أو الشعب أن يتحرر من فرعون أو النظام الفرعوني ما لم ينطلق من قاعدة صحيحة، ثابتة، واضحة، ذات منهجية ورؤية سليمة، وقد برهنت تجارب التاريخ الإسلامي أن الحراك العقائدي كان أكثر فاعلية في تغيير المجتمعات واستقرارها.
|
|