عن الديكتاتوريات الذاهبة وتلك الآتية
|
د. أحمد راسم النفيس (*)
لم ينته الصراع بعد بين الديكتاتوريات العربية المهزومة وطلاب الحرية فهو لايزال في قمة أواره واشتعاله.
لم تتأسس ديكتاتورية المخلوع مبارك عشية استلامه للسلطة في أعقاب مصرع سلفه أنور السادات بل تأسست مع انقلاب يوليو 1952 وربما قبل ذلك. جاء حسني مبارك إلى السلطة محمولا على بنادق الوهابية الجهادية التي اغتالت السادات لأنه (لا يحكم بما أنزل الله) لا لأنه وقّع اتفاق سلام مع الصهاينة كما يزعم البعض ليجد نظاماً سياسياً أسّس له (صرحاً يبلغ به الأسباب، أسباب السماوات والقمع والاعتقال المتواصل وتزوير الانتخابات) وساسة مقهورين لا يقدر أغلبهم على غير قول نعم وتنفيذ ما يلقى إليهم من أوامر دون مناقشة حتى وصلت مصر إلى هذه الحالة المزرية.
الديكتاتورية لا تبنى بين عشية وضحاها رغم أنها تنهار وتتفكك في لحظات لتبقى شظاياها ملقاة على الأرض كالقنابل العنقودية التي يمكن لها أن تنفجر وتتشظى لتغتال أحلام الأبرياء إلا أنها تحتاج إلى وقت أطول وإعادة لدوران عجلة التاريخ في الاتجاه المعاكس لتعود كما كانت وهو ما أصبح من وجهة نظرنا ضربا من ضروب المحال. لم تكن الديكتاتوريات العربية يوما ما مجموعة من الجزر المنعزلة بل هي دول الظلم المتحدة التي يساند بعضها بعضاً من أجل البقاء ويكفي أن نرى كيف يترنح النظام الديكتاتوري في اليمن بعد انهيار المخلوع مبارك لنعرف أن الظلم والطغيان ملّة واحدة وإن تباعدت المسافات واختلفت أسماء العواصم والساحات.
عندما تنهار الديكتاتوريات ينهار معها بناء الوطن والدولة الذي جرى اختزاله في شخص الطاغية وأجهزته وتبدأ المهمة الصعبة وهي بناء الدولة من جديد وهذا هو حال مصر أعرق وأقدم دولة في المنطقة، وربما في العالم والفضل في هذا يعود لحملة البنادق وإخوانهم الفاشيين دعاة اختزال الأمة في شخص أو حزب أو جماعة أو مذهب فرض فرضا على الجميع ويراد إبقاؤه مفروضا وحرمان الآخرين المقهورين من حق التنفس وإبداء الرأي. الآن يسعى من يظنون أنفسهم الآمرين الناهين في (دول الظلم العربية) لمنع حدوث مزيد من الانهيارات في بنائهم الذي أُسس على شفا جرف هار فانهار بهم، ومنع نهوض بناء جديد يقوم على التقوى وحرية الفكر والمعرفة والاعتقاد لئلا يصبح زوالهم نهائيا مستخدمين هذه المرة آليات الصناديق بدلا من بنادق الوهابية الجهادية ليعود الجور إلى أوطانه ويرجع الباطل إلى نصابه.
الآن يسعى هؤلاء لجمع شظايا نظام الظلم المبعثر بما فيها بقايا القنابل العنقودية والألغام التي لم تنفجر بسبب رداءة الصناعة ناهيك عن فلول مخابرات المهزومين إذ ربما يمكن لهم إحياء الموتى وإنطاق الأكمه وتحويل الأبرص إلى رمز من رموز الفتنة والدلال والجمال وهيهات هيهات. إنها مهمة تكاد تكون مستحيلة مهما رصد لها من إمكانات وسخر لها من خبراء في الإعلام ناهيك عن حشد أكبر عدد ممكن من خبراء الجمال وبيوت الأزياء. لن يعود نظام الجور لا من خلال بنادق الوهابية الجهادية ولا من خلال صناديقها التي يعرف الجميع الآن أنها صناديق الموتى.
(*) باحث وكاتب من مصر
|
|