قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحب دور أساس في بناء كيان الاسرة والجتمع
*محمود حسين
كلمةٌ صغيرة ولكنها تحمل في طياتها معانٍ ودلالات كبيرة تنعكس على بناء المجتمع الا وهو (الحب)، انه الوسيلة العاطفية والغريزة التي أودعها الله تعالى ومنحها لبني البشر، كما منحها للحيوان والغاية استمرار التكاثر والتناسل، لكن عند الانسان، تأخذ المسألة ابعاداً واسعة، حضارية واجتماعية ونفسية، ولذا نجده أمراً مقدساً وعزيزاً في النفوس، ومن أبرز مظاهر (الحب) ما نجده بين الزوجين، وهذا ايضاً من النعم الإلهية العظيمة على الانسان تجسدت في صريح الآية القرآنية الكريمة: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم /21)، حقاً إن هذا جدير بالتفكّر والتدبر.
وقد أسس الله تبارك وتعالى هذا الحبّ بين الزوجين، الرجل والمرأة، و ربطهما برابطة الزواج المقدس منذ ان خلق آدم ثم خلق حواء، وبهذا الانشداد بالحب والمودة ينظم الاسلام الحياة الزوجية ويعطي الكرامة والاستقرار والطمأنينة للرجل والمرأة وللمجتمع بأسره.
وعندما تنجح علاقة الحب بين الزوجين، فانها تنعكس على ثمار هذه العلاقة وهي الاطفال من خلال اسلوب التعامل والاحترام المتبادل فيما بينهما، ومن خلال هذه الصورة الناصعة التي يراها الاطفال في محيط الأسرة والعائلة، سينتقل هذا الحب اليهم، فالاحترام والحب والمودة بين الزوج و زوجته، له المردود الايجابي لأن الوالدين مرآة عاكسة للاطفال فالحب يعد النواة الاساسية لسلوك الاطفال.
الحب .. وشجرة العائلة
اذن، الحب... هو بالحقيقة الماء النقي والزلال الذي يسقي الشجرة المثمرة للعائلة، فأي اختلال في عملية الارواء او السقي او اذا كان الماء بغير المواصفات الجيدة، فان ذلك ينعكس قطعاً على نوعية الثمرة وجودتها، وربما تسقط يابسة متعفنة، وربما نجدها مصابة بأمراض فتكون منبوذة وتلقى جانباً. وهذا عين مصير الاولاد المحرومين من أجواء الحب والحنان في البيت، فلا احترام ولا مودة بين الأب والأم، من أول لحظة في وجه الصباح وخروج الاب لعمله والاولاد لمدارسهم او لاعمالهم، وحتى العودة الى المنزل وعلى مائدة الطعام وحتى حين الرقاد وحلول المساء، وفي كل تفاصيل الحياة العائلية. فيكون البيت بالنسبة لساكنيه أشبه بـ(سوق هرج) كلٌ يسعى لجر المنفعة والغلبة الى مصلحته.
وعندما نقول إن الحب هبة ونعمة من الله على الانسان، فان النصيب الأوفر من هذه النعمة تكون لمن مؤهل لها من حيث التكوين، ألا وهي المرأة دون الرجل، لأنها اختصت من قبل البارئ عزوجل بالعاطفة والحنان أكثر من الرجل، وهذه حقيقة أكدتها الشريعة وتعاليمنا الدينية، وعليه يكون أمر التربية وتوفير القدر الاكبر من الحب والحنان في البيت من مهمة الزوجة أو الأم، لأن الرجل أو رب الأسرة يقضي اغلب اوقاته في العمل خارج البيت، بينما تبقى الأم متفرغة لأعمال البيت ومتابعة شؤون الاولاد بفترة أطول. ولذا نجد ان أكثر العظماء والناجحين في علماء دين او ابطال ثائرين او مبدعين إنما اكتسبوا البناء المعنوي من الأم، فان حب القيم الدينية والاخلاقية تغرسه الأم بنجاح في نفسية الطفل، و اول ما تزرعه هو حب الله تعالى والايمان المطلق والشفاف به، فحين تقوم الام بالحديث عن الله وقدرته اللامتناهية وانه الخبير والقدير، ويكون هذا الحب الإلهي بين محاور الحديث في البيت، فان سلوك وشخصية الطفل ستكون ربانية وايمانية، لأنه سيكون مرتبطاً بالسماء وليس بالماديات، فهو يتخلّق باخلاق الله تعالى، فيكون كريماً –مثلاً- وسميحاً ورحيماً وشاكراً وغيرها من الصفات الحميدة. يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام :( انما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي بها من شيء قبله).
وبعد معرفة الله تعالى يعرف الطفل حب نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام ويصبح طفلاً ولائياً وحسينياً من خلال المشاركة بالمناسبات، سواء بالافراح والاحزان، ولابد ان ينتبه الوالدان الى ان الولاء لأهل البيت لاينحصر في مجالس الحزن والبكاء، وإن كانت مهمة جداً، لكن المهم أيضاً المحتوى والتوازن في المفاهيم والاجواء، فكما نحبذ ان يشارك الطفل في خدمة المواكب الحسينية وخدمة الزائرين، من الجدير تشجيعه على المشاركة في احتفالات عيد الغدير أو مهرجانات المولد النبوي او مولد أمير المؤمنين أو مولد الزهراء عليهم السلام وسائر المناسبات البهيجة لأهل البيت حتى نكون مصداقاً لحديث الامام الصادق عليه السلام: (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).
تحديات في الطريق
أمام هذا الواقع الاجتماعي تحديات لتغييره وحرفه عن مساره الصحيح، وهو ما يمكن ان يحول أجواء الحب بين افراد الاسرة الى نقمة ومعول دمار وتشتت، وعوامل ذلك أمامنا عديدة وبمسميات مختلفة من قبيل (العولمة) او (الديمقراطية) أو (حرية المرأة) ، وغير ذلك، ويعضد هذه الثقافة وسائل سريعة تخدم مسيرة التدمير، في مقدمتها وسائل الاتصال والاعلام مثل شبكة (الانترنت) والقنوات الفضائية، فنرى (العولمة) تحاول الإطاحة بثقافة الشعوب وتقاليدها وعاداتها الاصيلة، وتتلاعب بمشاعر الناس وتوجههم للهو والانشغال بقضايا من شأنها ان تساعد على الغاء الكرامة الفردية او الاسرية فاذا كانت الاسرة السليمة سابقا تقضي اوقات فراغها في متنزه عائلي او في مؤسسة دينية او تسافر الى مكان معين، فانها اليوم تقضيها في مشاهدة القنوات الفضائية التي تعرض برامج تهدم الاخلاق وتلغي القيم والانسانية كالمحبة والمودة، فحتى في افلام الرسوم المتحركة (الكارتون)، نجد التشجيع على خصال العنف والقوة، وهو ما يجعل الطفل يعيش حياة الغابة، فلابد ان يكون بدنه قوياً دائماً ومفتول العضلات وإلا سيلحق به الأذى ويسحق تحت الاقدام!!
هذا باختصار ما كان من العوامل الخارجية، وثمة عوامل داخلية تصدر من داخلنا يمكن ان تشكل تحدياً لـ(الحب) داخل الأسرة، وبسبب بعض المنغّصات والشحّة في العلاقات الوديّة بين افراد الأسرة، نجد مع شديد الاسف ان التنافر ينسحب على مختلف مجالات الحياة فحتى بالنسبة الى قضية تناول الطعام نلاحظ بعض الافراد يفضلون تناول الطعام على قارعة الطريق عند مطاعم الوجبات السريعة او في مطعم مع الاصدقاء، وليس على مائدة واحدة مع سائر افراد الاسرة، بل و ابعد من ذلك فان بعض الافراد هجروا البيوت متأثرين بحياة المجتمع الغربي حيث لا التزام ولا احترام ولا مودة من شخص لآخر، إنما الانانية وحبّ الذات فوق كل شيء.
ومن التحديات على الصعيد الداخلي طغيان حب المال لدى البعض من افراد الأسرة، مثل الأب أو الابن، فنرى الذي يجمع ثروة معينة يعكف على حب المال كما لو انه يحوله الى معبود من دون الله تعالى! متناسين ان الحب والمودة بين افراد الاسرة هو الابقى والانفع في الدنيا والآخرة، بينما حب المال، هو بالحقيقة حبّ الفناء والزوال، لان الله يرزق من يشاء ويأخذ منه متى يشاء.
إن مواجهة هذا التحدي الخطير تقع بالدرجة الاولى على عاتق الزوج أو الأب القادر على تفعيل دور العقل والحكمة لديه للحفاظ على أجواء المحبة والمودة بين افراد الأسرة، فلا يسمح بأن تتسلل الى هذا الكيان المقدس ما ينخر في الأساس والبنيان ويسي الى العلاقات الودية المتينة بين افرادها.