رضيع يَستنزلُ الرحمة
|
*كريم الموسوي
تنفس صبح ذلك اليوم من شهر محرم الحرام بزفرات حزن وألم.. وعبقت في الأجواء رائحة الكآبة.. نظرت إلى السماء المتلبدة بالغيوم وهي تخفي خلفها خيوط الصباح.. وكانت قطرات من المطر تنهمر من السماء.. وحرارة تتلظى في القلوب.. إنه يوم الرضيع.. رضيع الحسين(ع).. حيث يحيي المؤمنون هذا اليوم من كل عام باسم هذا الرضيع الذي كان مثل سائر ابناء واصحاب أبيه مثالاً عظيماً للتضحية والفداء لنصرة الدين.
نظر الرضيع إلى وجه أبيه نظرتين: الأولى: أشتكى فيها حرارة السهم وظلم الأعداء. والثانية: كانت نظرة نصرة، وكأنه يقول لأبيه: إن دمي يرخص لك يا أيها الثائر المضحي، والحسين ذلك الأب المفجوع نظر إلى عيني صغيره يحاول أن يروي شوقه إليه.. أيضمه؟! أم يلثم نحره...؟! وأي شيء يروي ظمأ الوالد المفجوع بإبنه الصريع؟! اغترف الإمام(ع) من دم نحر رضيعه وحمله بكفه الشريفة.. ثم نظر إلى السماء ورمى قطرات الدم قائلاً: (اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى...) فتقبله الله بقبول حسن، ولم تسقط حتى قطرة واحدة على الارض، فقد تلقفتها السماء وأسكنتها في الخلد لتكون غداً شاهداً أمام العالمين على مدى الظلم والجريمة التي يذهب اليها الانسان العاصي.
لكن عجيب أمر ذلك الرضيع... بالأمس حينما قُتل ارتفعت قطرات دمه إلى السماء، واليوم يُستنزلُ الغيث باسمه. وتنزل أسباب الرحمة الإلهية ببركته وبجاهه عند الله تعالى. فكم من طفل مريض شُفي به. وكم من إمرأة حُرمت من مداعبة الأطفال و رُزقت به. وكم من حوائج كبيرة تذللت بالتوسل إليه. وكم من هموم فرجت به.
الذين قتلوا الرضيع في ظهر اليوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، تغافلوا عما سيكتسبه من منزلة عظيمة عبر الاجيال، فاسكنوا السهم في نحره. ثم لم يكتفوا بذلك بل رفعوا رأسه الصغير على رمح طويل، وأنكروا تلك الرحمة التي لُف بها كما يُلف كل رضيع في قماطه، ونكروا بالنقمة التي ستحل بهم جراء فعلتهم الشنيعة، والغضب والسخط الإلهي الذي سينزل عليهم، و حرارة النار التي ستكوي وجوههم و تصلي أجسادهم.
ولكننا اليوم نؤمن إيماناً لا يخالطه الشك أن هذا الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز الأشهر الستة الأولى من عمره هو باب من أبواب الله. به تُقضى الحاجات وبه تُزاح الهموم وبه يُستنزل غيث الرحمة الإلهية ولذلك فنحن دوماً نتعرض لقطرات غيثه المنهمر من السماء. فشكراً لله ولهذا الطفل الرضيع (عبد الله). نرجو ان يكون هذا الرضيع درساً بليغاً للمجتمع بأن تكون بداية التربية واللبنة الاولى في تربية الطفل هي الروح الحسينية التي تلقاها (عبد الله)، ليعيش اطفالنا وشبابنا حسينيين في حياتهم.
|
|