الشريف الرضي .. النجم في الشعر والبارع في العلوم الدينية
|
*إعداد / حسين محمد علي
لمع في سماء الأدب كما برع في ميدان العلوم الدينية، فكان العالم الرباني والرسالي الفذّ الذي جمع بين الدين والأدب في اطار عصا على الكثير من العمالقة والعباقرة تشكيله، فكانوا إما علماء دين أو كانوا أدباء. وهو ما تشكو منه الساحة الاسلامية حالياً، حيث نجد الحوزة العلمية في عالم والمحافل الادبية في عالم آخر، رغم الصلات الوثيقة والعضوية بين الأدب والعلوم الاسلامية، وهو ما يقره الجميع، فالأدب وفنونه من أهم وسائل التبليغ وايصال الرسالة السماوية الى العالم. من هنا يمكن القول أن الشريف الرضي كانت له الريادة في هذا الميدان منذ القرن الرابع الهجري.
ولد السيد محمّد بن الحسين المشهور بالشريف الرضي (قدس سره) في مدينة بغداد سنة 359هـ وينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام. وأمّه السيّدة فاطمة بنت الحسين بن أبي محمّد الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. ونشأ في أحضان أبوين جليلين.
تعلّم في صغره علوم البلاغة والأدب والفقه والكلام، والتفسير والحديث، على يد مشاهير علماء بغداد آنذاك. وقد نظم السيّد الشريف الرضي الشعر وعمره عشر سنوات، وأجاد في ذلك، كما أنّه نظم في جميع فنون الشعر.
ويمتاز شعره بأنّه مطبوع بطابع البلاغة والبداوة والبراعة وعذوبة الألفاظ التي تأخذ بمجامع القلوب، بالإضافة إلى المميّزات الأخرى التي لا نكاد نجدها في شعر غيره. وممّا امتاز به شعر السيّد الشريف الرضي أنّه كان نقيّاً من كل ما يتعاطاه الشعراء من الغزل المشين والهجاء المقذع والتلوّن بالمدح تارة والذم تارة أخرى .
وبما ان الشريف الرضي من أسرة عريقة بالولاء لأهل البيت عليهم السلام، فقد كان لثقافة أهل البيت مكانة سامية في روحه ومشاعره التي أفاضت بالكثير من القصائد العصماء وكان من عيونها قصائد الرثاء منها رثاء الامام الحسين عليه السلام.
كان السيّد الشريف الرضي فقيهاً متبحّراً ومتكلّماً حاذقاً ومفسِّراً لكتاب الله، وحديث رسوله صلى الله عليه وآله، لكن أخفت المكانة العلمية لأخيه السيّد المرتضى شيئاً من مكانته العلمية، كما أخفت مكانته الشعرية شيئاً من مكانة أخيه الشعرية. ولهذا قال بعض العلماء: (لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس). ويكفي منزلته العلمية أن من أبرز اساتذته الشيخ المفيد زعيم الحوزة العلمية، ومن أبرز تلامذته الشيخ الطوسي الذي أسس فيما بعدالحوزة العلمية في النجف الاشرف.
لقد ترك الشريف الرضي مؤلفات عديدة في علوم الفقه والتفسير ولعل في طليعتها كتاب (نهج البلاغة)، الذي بالفضل في جمعه اليه رضوان الله عليه، فهو يُعد بحق انجازاً باهراً للتشيع على مر التاريخ. لكن شخصيته الأدبية ظلت ساطعة في التاريخ الشيعي، فترك ديواناً طبع في مجلدين، ضمت معظم قصائده وما نظمه من أغراض الشعر المتعددة. ولمناسبة عاشوراء لا يسعنا إلا أن نعود الى قصيدته العصماء التي نظمها وهو يزور ضريح جده سيد الشهداء في كربلاء المقدسة، ورأى أن يعزي جده رسول الله بمصاب سبطه، ويجري بمشاعره واصفاً الرزايا والمحن التي واجهت أهل البيت عليهم السلام من بعده، فكانت الكلمات اللاهبة تخرج من قلب يتلظى من الحرقة على المصاب الجلل...
كرْبَلا، لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا
ما لقي عندك آل المصطفى
كَمْ عَلى تُرْبِكِ لمّا صُرّعُوا
من دم سال ومن دمع جرى
لم يذوقوا المآء حتى اجتمعوا
بحدى السيف على ورد الردى
تكسف الشمس شموساً منهم
لا تدانيها ضياءً وعلا
وتنوش الوحش من اجسادهم
أرْجُلَ السّبْقِ وَأيْمَانَ النّدَى
وَوُجُوهاً كَالمَصابيحِ،
فَمِنْ قَمَرٍ غابَ، وَنَجْمٍ قَدْ هَوَى
غَيّرَتْهُنّ اللّيَالي، وَغَدَا
جاير الحكم عليهن البلا
يا رسول الله لو عاينتهم
وهم ما بين قتلى وسبا
من رميض يمنع الظل
ومن عاطش يسقى انابيب القنا
ومسوق عاثر يسعى به
خلف محمول على غير وطا
متعب يشكو اذى السير على
نَقبِ المَنسِمِ، مَجزُولِ المَطَا
لَرَأتْ عَيْنَاكَ مِنهُمْ مَنْظَراً
للحَشَى شَجْواً، وَللعَينِ قَذَى
ليس هذا لرسول الله يا
أمة الطغيان والبغي جزا
يا قَتيلاً قَوّضَ الدّهْرُ بِهِ
عُمُدَ الدّينِ وَأعْلامَ الهُدَى
قتلوه بعد علم منهم انه
خامس اصحاب الكسا
غَسَلُوهُ بِدَمِ الطّعْنِ،
وَمَا كَفّنُوهُ غَيرَ بَوْغَاءِ الثّرَى
مَيّتٌ تَبْكي لَهُ فَاطِمَة ٌ
وابوها وعلى ذو العلى
لَوْ رَسُولُ اللَّهِ يَحْيَا بَعْدَهُ
قعد اليوم عليه للعزا
لا أرَى حُزْنَكُمُ يُنسَى، وَلا
رُزْءَكم يُسلى، وَإنْ طالَ المَدَى
قد مضى الدهر وعفى بعدكم
لا الجَوَى باخَ، وَلا الدّمعُ رَقَا
انتم الشافون من داء العمى
وَغداً ساقُونَ مِنْ حوْضِ الرّوَا
اين عنكم للذي يبغى بكم
ظل عدن دونها حر لظى
اين عنكم للذي يرجو بكم
مَعْ رَسُولِ اللَّهِ فَوْزاً وَنَجَا
يوم يغدو وجهه عن معشر
مُعرِضاً مُمْتَنِعاً عِندَ اللّقَا
شاكيا منهم الى الله وهل
يُفلِحُ الجِيلُ الّذي مِنْهُ شَكَا
رَبّ! ما حامَوْا، وَلا آوَوْا،
وَلا نَصَرُوا أهْلي، وَلا أغْنَوْا غَنَا
رَبّ! إنّي اليَوْمَ خَصْمٌ لَهُمُ
جئت مظلوما وذا يوم القضا
توفّي السيّد الشريف الرضي ( قدس سره ) في السادس من شهر محرّم سنة 406 هـ، ودفن في داره الكائنة في محلّة الكرخ ببغداد، وذكر كثير من المؤلّفين ان جثمانه نقل إلى كربلاء المقدّسة بعد دفنه في داره بالكرخ، فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى، ويظهر من التاريخ أنّ قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدّس.
|
|