قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الشعائر بنظرة رسالية.. دموع زين العابدين و حزن زينب(عليهما السلام)
موسم عاشوراء كذكرى سنوية متجددة تمر على الإنسان و تمثّل إحياءً للقيم الحسينية في قالب الشعائر والمظاهر المختلفة، لتكوّن صبغة عامة داخل المجتمع، فمطلوب من الإنسان الموالي أن يظهر الحزن بل أن يظهر الجزع بمختلف أنواعه و حسب ما يتعارف لديه في التعبير عن جزعه.
ومطلوب من الإنسان الموالي أن يرفع ذكر الإمام الحسين (ع) ويرفع مظلوميته ومظلومية من قتل معه عالياً ليسمع كل العالم بما جرى على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا ما قام به الإمام زين العابدين (ع) و السيدة زينب (ع) بأن نقلوا خبر عاشوراء، لكل مكان يطأونه، وبكى الإمام زين العابدين طوال حياته، آخذاً بتذكير الناس بما جرى على الإمام الحسين (ع) من ظلم، وهكذا كانت مسيرة أئمة أهل البيت (ع) في إظهار الحزن، و هذا ما ورد عن إمام العصر القائم المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) الذي يقول في الزيارة (لأندبنك صباحاً ومساء ولأبكين عليك بدل الدموع دماً).
كما أن هنالك جانباً آخر يتمثل في إحياء هذه الذكرى، وهو بعد المضمون القيمي والفكري لهذه المناسبة، فالإمام الحسين قام من أجل إصلاح الوضع الفاسد الذي انحرف عن القيم التي أسسها الرسول الأعظم (ص)، واستمرار هذا البعد هو استمرار للعمل من أجل الدين ومن أجل تمكين قيم الدين في المجتمع، و مواجهة الفساد بالإصلاح. فهذا البعد هو اللبّ، و البعد الأول هو الإطار والشكل، وكلاهما أساسيان ومهمان في إحياء الشعائر الحسينية، فاللب والمحتوى يحتاج إلى إطار و حماية، و لا إطار من دون لبّ.
بهذا التصوير للشعائر الحسينية، وبهذا الفهم، قد تبرز نظرات، تغلّب أهمية المحتوى والمضمون القيمي، فتقوم بإلغاء مادونه، فتلغي على سبيل المثال حالة البكاء والحزن وقد تكتفي بذكر الأبعاد القيمية من أجل التأسي بها !، وقد تبرز نظرة أخرى للشعائر، وتقول بأن المطلوب والأساس هو حالة الإشعار، فتلغي البعد القيمي أو لا تهتم له، فيكون البكاء حسناً حتى لو كان لغير الله !.
إذاً كيف ننظر للشعائر الحسينية ؟ .
ينبغي النظر للشعائر الحسينية بنحو من الخصوصية، بإعتبار أنها قضية محورية في الدين، وهذه الخصوصية ينبغي أن لا تقاس على غيرها، بل هي مقياس بحد ذاتها، وما دمنا نمتلك رصيداً من الروايات الصادرة في هذا الشأن عن أهل بيت العصمة والطهارة، فإننا ينبغي أن ننظر لها بجدية ومن دون تبرّع في الفهم، فإنه كما ورد في البكاء على الإمام الحسين من فضل كبير لابد أن لا يتغافل عنه، كما هو بيّن في الروايات الكثيرة، ومنه قول الإمام الرضا (ع) لإبن شبيب (يابن شبيب إن بكيت الحسين حتى يصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً). فإن رحمة الله الواسعة تسع من يبكي على الإمام الحسين (ع) لتغفر ذنوبه الشخصية بسبب ذلك البكاء، هذه خصوصية واحدة ضمن خصوصيات عدّة تكتنف الرؤية للشعائر الحسينية. ومن جانب آخر لا ينبغي التساهل مع البعد القيمي، لأن قيام الإمام الحسين (ع) ما كان إلا إنقاذاً لهذا الدين وما كان إلا لكي يصلح الوضع الفاسد، ولأن الإمام الحسين (ع) هو قدوة الإنسان المسلم الذي ينتهج نهج المعصوم، فلا بد أن نتمثّل تلك الأبعاد التي جاءت بها النهضةالحسينية، ومن أساسياتها أن نكون حسينيين في أخلاقياتنا وفي معاملاتنا مع الآخرين، و أن نسهم في بناء المجتمع وتحمّل المسؤولية لرفع مستواه والمطالبة بحقوقه، ورفض الظلم والانحراف والفساد بكل انواعه واشكاله .
لعل البعض يريد أن يدافع عن الامام الحسين (ع) ولكن بأسلوب يضر بقيم الإمام الحسين التي من أجلها جاهد واستشهد، فيخلي كل الشعائر من القيم ويجردها من محتواها، وليس مهم عنده أن تضرب القيم الحسينية والمبادئ الدينية بل ولا يتحمل أي مسؤولية في هذا الإتجاه.كما أن البعض الآخر قد يتمسّك بالقيم، إلا أنه يناقضها بممارساته، أو أن لا يهتم في إشاعة المظاهر الحسينية، كحالة إعلامية عالمية، وقد يلغي البعض أبر مظهر يتجلّى خصوصاً في يوم العاشر من محرم الذي ورد فيه عن أهل بيت العصمة أنه يوم حزن وبكاء وجزع.
التوازن في الرؤية هو أن ننتهج نهج أهل البيت (ع) ومن حذا حذوهم تجاه هذه المسيرة العظيمة، فإن الإمام زين العابدين عليه السلام الذي بكى طوال حياته، إلا أنه كفكفها في المسجد الأموي عندما وقف أمام الطاغية وهو يؤنّب خطيبه قائلاً (ويلك أيها الخاطب ! إشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار)، وقال مشيراً إلى الطاغية يزيد ـ عندما أمر المؤذّن أن يقطع عليه خطابه بالأذان: (محمد هذا جدي أم جدك يايزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته). وكادت الدموع أن تكون وسيلة للهروب من المسؤولية، إلا أن زينب بنت علي عليهما السلام خاطبت المجتمع آنذاك قائلة: (أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف، وملق الاماء وغمز الاعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة.. ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون..). فالتوازن يقتضي أن تكون شعائر متنوعة بكافة أبعاد من يستشعرها مع التأكيد على المضامين المسؤولة.