تحت الضوء
(أوركسترا) و جرس الإنذار في كربلاء
|
*محمد علي جواد تقي
ربما يكون الخبر صحيحياً أو غير صحيح، والعهدة على الراوي، فان الفرقة الوطنية للأوركسترا تستعد لزيارة كربلاء المقدسة لتقديم إحدى عروضها في الموسيقى الكلاسيكية وذلك في العاشر من الشهر الجاري، وذلك ضمن برنامج ترويجي لهذا النوع من الموسيقى في جميع محافظات البلاد، في كل الأحوال تؤشر هذه الفرقة الطموحة والجريئة – في حال تحقق هذا الطموح- على وجود تخلف وتراجع يشهده الواقع الديني في هذه المدينة المقدسة، والحاجة الكبيرة للثقافة والوعي الديني.
وأكرر هذه العبارة غير مرة، باننا لن نعتب أبداً على مروجي الموسيقى ولا على تجار أقراص الاغاني والافلام الرخيصة، ولا حتى على دعاة التحلل الاخلاقي بكل اشكاله وأنواعه، فهؤلاء لهم قناعاتهم الخاصة وهم ماضون في طريقهم، ولم ينطلقوا اليوم أو الأمس، إنما قبل عقود طويلة من الزمن، لكنهم ربما يظهر عليهم الاختلاف في اعمالهم باختلاف الظروف الزمانية والمكانية، كما كنا لا نشجع على معاتبة صدام ومنهجه في الحكم وأسلوبه في قيادة العراق، نعم... نحن ندين الجاني والمجرم والمتطاول على حقوق الانسان، ولكن نحاسب ونعاتب من استجاب لذلك المنهج وما يزال يحمله اليوم باصرار، كما نعاتب ونحاسب من يقف اليوم مبهوراً امام اللذه الرخيصة والعابرة التي يوفرها تجارها في مختلف اشكالها وأنواعها، وفي مجتمع محافظ مثل المجتمع العراقي، ولاسيما في مجتمع مثل المجتمع الكربلائي، الذي يُعد مبرر إقامته وسكنه في هذه الارض هو وجود مرقد لشخصية كان أهم وأبرز ما قامت به هو صيانة مبادئ وقيم الدين من الانحراف، كما صانت شخصية الانسان أيضاً من الانحراف والانزلاق نحو العبودية والذلّ والخسران.
ولنتساءل حقاً.. هل ان الإمام الحسين وبقية الأئمة من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعهم الدين الاسلامي برمته، حرم الانسان يوماً من أن يعبر عن مكنوناته ومشاعره وأفكاره؟ وهل سجّل لنا التاريخ، رغم غموضه واسقاطاته، وجود مسلمين في مجتمعات أو أجيال أو حقب، كانوا معقدين نفسياً أو منطوين على ذاتهم، وكانوا بحاجة الى ترفيه وإطلاق العنان للشهوات والرغبات الجسدية والنفسية لكسب الراحة والانبساط؟
إن أكثر وأكبر ما كان يعانيه المسلمون في تاريخهم هو عدم تحكيم القيم الاخلاقية، وليس وجود هذه القيم بحد ذاتها، فلنتأمل المفارقة العجيبة...! والمشكلة الأكبر هو في إظهار الكثير من الناس منذ عهد الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحتى يومنا هذا بعدم قدرتهم على تطبيق هذه القيم الاخلاقية، لذا فمن كونها ثقيلة وصعبة وشاقة و... تحولت الى منبوذة ومقيتة وتدعو الى الانغلاق والكآبة!
ومن حق أي واحد أن يتساءل: بانه اذا كانت هذه القيم الاخلاقية هي سلّم الانسان نحو حياة متوازنة الى جانب القيم الدينية، وهي القادرة على أن تضمن للانسان السعادة والخير، والحال كذلك، فلماذا لا نلمس لها وجوداً ولا نسمع لها حسيساً لاسيما في مدننا المقدسة؟
طبعاً نحن نؤشر دائماً على المدن المقدسة عند الحديث عن الدين والاخلاق، دون أن نغض النظر عن بقية المدن والمناطق سواءً في العراق وغيرها من بلاد المسلمين، لأن في هذه المدن هنالك رموزاً عظيمة، أطلقت صرختها المدوية في ضمير الاجيال وعلى مر الزمن، فكانت ولاتزال مدارس ومشاعل للعلم والمعرفة والانسانية، أما باقي المناطق فعليها أن تتحمل مسؤوليتها بنفسها، ومثال ذلك طالب المدرسة الذي تصدر منه تصرفات أو كلمات فيُقال: أ هكذا تربي المدارس...؟! بينما قد لا يُلام غالباً الأفراد العاديين في الشارع.
لا نبتعد عن السؤال ونحن في هذا الحيّز المحدود، فالجميع ينتظرون كما هم مستعدون للتفاعل والتعاون مع مشاريع وأعمال فنية أو ثقافية أو أي عمل يفتح أمام الانسان آفاق الابداع في التعبير عن مشاعره الصادقة إزاء نفسه والآخرين بالرسم أو الخط أو النحت أو الأعمال الأدبية المتعددة، وكذلك المسابقات التي تثير دفائن العقول وتختبر القدرات المعلوماتية، ولنذكر المعنيين وأصحاب المكنة والمقدرة بحديث الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن القلوب تملّ كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكمة).
|
|