جنّة البقيع تحت المعاول السلفية
|
*أحمد محمد آل ربح *
في الثامن من شوال عام الف وثلاثمئة وأربعاً وأربعين، المصادف لعام 1953م تم هدم المشاهد المشرفة لأئمة البقيع عليهم السلام وتم هدم كل القباب الشريفة المقامة على قبور الصحابة والتابعين والأولياء والصالحين هناك، وقد تم هدمها من قِبل أقلية في العالم الاسلامي ترى أن البناء على القبور بدعة وفاعله مشرك واستدلوا بآيات من قبيل "مانعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفة".
هذا اللون من الاستدلال لاسقاط آيات نزلت في الكفار على المسلمين استخدمه الخوارج في حربهم ضد المسلمين والذين كانوا أيضاً يمثلون أقلية في العالم الاسلامي حينها، في حين أن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها من المستحبات الاسلامية بصريح القرآن "لنتخذن عليهم مسجداً" في قصة أصحاب الكهف.
إن القيام بهدم ماوصلت اليه الأيدي السلفية من المساجد المقامة على الاضرحة يثبت بما لا شك فيه ان أهل الاسلام قاطبة كانوا لايرون بأساً بذلك بل يرونه من أجّل الأعمال وأعلاها، كما عاد للتأكيد على ذلك مفتي جمهورية مصرالعربية الشيخ علي جمعة قبل أيام باستحباب بناء المساجد على قبور الصالحين.
إن تعظيم قبور الأولياء هو إبقاء للرموز الاسلامية شاخصة أمام أعين الناس وإعطاء قيمة معنوية لأولئك الأولياء في نفوس عامة المسلمين. فهدم الرموز الاسلامية هو تغييب حسّي لتلك الرموزمن حياة الناس.
لقد كان المسلمون ومنذ صدر الاسلام ومازالوا الى اليوم يُعظمون الاولياء والصالحين باتخاذ قبورهم مساجد وهي قيمة عالية المكانة حيث يجعلونهم سكنة بيوت الله أقدس الأمكنة لدى المسلمين.
نعم أعطى المسلمون قيمة عالية لتاريخهم وشواهدهم التاريخية ككل أُمم الارض وعبر التاريخ والتي تفخر بتاريخها وشواهده.
وقد شرَّع الله سبحانه الطواف حول الكعبة المشرفة وقضى بأن مَن لم يطف حول حِجر إسماعيل عليه السلام كأنه لم يطف بالكعبة الشريفة، أي ان هناك تأكيداً من الشارع حتى على (حِجر) الأولياء ووجوب الطواف حوله ولا يتم حج المسلم في العمر مرة الا بالطواف حوله.
إن استمرار التطاول والتجاوز على مقابر الأئمة الأطهار في البقيع يؤكد من جديد عدم جواز فرض ما أعتقده على الاخر بالقوة ولمجرد أن يدي مبسوطة وأستطيع فعل ما أشاء، فان ذلك يعني أن الاخر اذا تمكن سُيطبق عليَّ ما طبقته عليه. يجب أن تسود روح التسامح بين المسلمين بل بين الانسان بماهو انسان وليس لأحد أن يكره أحداً على معتقد.
إن الثقافة الاسلامية قامت ومازالت على قوة الدليل والبرهان لا على العصا والسيف فلم يلاحق النبي صلى الله عليه وآله الناس بالعصي كما لم يجبرهم على اعتناق الدين بالسيف وكانت حروبه بأبي وأُمي كلها دفاعية ولرد الاعتداء ولم يبادر أحداً بحرب.
إن للسلفيين وضمن حرية الرأي، الحق في اعتقاد ما يشاؤون وان خالفوا في معتقدهم عموم أهل الاسلام الا أنه يبقى إجتهادهم وعلى الآخرين من المسلمين احترامه، وفي ذات الوقت عليهم احترام معتقدات الاخرين من المسلمين وعدم التعرض لهم ولمعتقداتهم.
إن حوار الأديان الذي تتبناه الدولة السعودية مع أديان الأرض هو ثقافة اسلامية مفادها "أُدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" هذا المفهوم الأولى أن يسود بين المسلمين أنفسهم قبل أن يحملوه الى العالم حتى يلمسه العالم منا عملياً، وقد أوصانا الله تعالى في كتابه المجيد: "والأقربون أولى بالمعروف"، فهل نسدي المعروف للديانة اليهودية والديانة المسيحية ونمسك عن الشيعة وهم مواطنون يعيشون مع بقية المذاهب الاخرى في السعودية؟
إن العيون لشاحبة وهي تنظر الى تلك القبور الطاهرة وقد كُشفت عن مراقدها وساووها ببقية القبور، وهذا لعمري قمة الاهانة والاستهتار بقبور هي للمواطن السعودي الذي يعبد الله بمذهب أهل البيت عليهم السلام هي في قمة القداسة، فاهانتها اهانة لمسلمين أولاً واهانة لمواطنيين سعوديين.
*كاتب من السعودية
|
|