قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قسوة الأب تورث الندم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * د. سمير يونس
بينما كان الأب ينظف سيارته الجديدة. تناول طفله الصغير حجرة صغيرة، وبدأ يكتب على السيارة ويخدش صبغها...!!!
ثار الأب وانفعل لهذا المشهد، وغضب غضباً شديداً، وتحرَّك دون أن يشعر صَوْبَ طفله، وكرر ضربه بشدةٍ عدة مرّات على يده، وهو لا يدري أنّه يضرب يد ابنه بمطرقة!!
بكى الطفل، وتألم ألماً شديداً، ولاحظت الأُم عجز الطفل عن أن يحرك أصابعه، فنادت أباه وأخبرته، وسارع الأب بحمل ابنه إلى المستشفى، وهناك فقد الطفل أصابعه، بسبب الكسور والمضاعفات التي أصابته، نتيجة الضرب الشديد بالمطرقة.
أفاق الطفل على وجه أبيه يشاهده، فبادر الطفل بسؤال أبيه الذي ظهرت عليه علامات الحزن وآثار البكاء: متى ستنبت أصابعي يا أبي...؟!
وقع سؤال الطفل وقع الصاعقة على أبيه، ولم يستطع أن يجيب ابنه ولو بكلمة واحدة، ولم يتمالك نفسه من البكاء، فخرج ليبكي بعيداً عن طفله، وتوجه نحو سيارته وركلها برجله، ثمّ جلس بجوارها، وقد بدت على وجهه علامات الندم والحزن والألم لما فعله بابنه، ثمّ نظر إلى المكان الذي خدشه طفله في السيارة؛ فإذا به يقرأ ما كتبه طفله: (أحبك يا أبي)!!
إنّ عاطفة الأبوة لا تصفها الكلمات مهما كانت بليغة، لكن تجسدها العاطفة والمشاعر. وهذا الموقف الذي قسا فيه الأب على ابنه سببه ثورة غضب عابرة مثل بركان سرعان ما يخبو. وبتحليل هذا الموقف تربوياً يمكننا أن نخرج منه بدروس مستفادة، أهمها:
أوّلاً: قد ينفعل الأب فيؤدِّي به إنفعاله إلى عواقب وخيمة، فتورثه هذه القسوة الندم طوال حياته، بل قد تكون سبباً في هلاكه، وخسرانه الدنيا والآخرة.
ثانياً: بالحب لا بالغضب يمكننا اصلاح الامور ومعالجة المشاكل مهما كان السبب داخل او خارج البيت. بإمكاننا أن نأسر قلوب أبنائنا بالحب، ونستطيع أن نعالج فيهم السلوكيات السلبية.
ثالثاً: بعض الآباء وعلى غير الحالة التي جاءت في صدر المقال، يمارسون القسوة عن وعي وقصد كاملين، ظناً منهم ان القسوة وصفع الاولاد او لي آذانهم تجلب لهم الجدية والانضباط وبالنتيجة الخير في الحياة! لكن عندما يرى النتيجة عكسية يلوذ الى الندم والحسرة التي لا فائدة منها مطلقاً، لاسيما اذا وصل الامر الى إعاقة جسدية او اتخاذ الابن قرار الهروب او غير ذلك، وفي هذه الحالة فان التحول من القسوة الى اللين والود يكون أمراً صعباً جداً. وعليه فان الآباء والامهات ان يكونوا على قدر المسؤولية العظيمة والنعمة العظيمة التي وهبها الله تعالى لهم بالذرية، وليعلموا ان هنالك من يتحسر على طفل ليضعه بين عينيه! فلا يتكبروا ولا يغتروا بالهيمنة والتسلط، فالأولاد دائماً بانتظار الكبار يأتون اليهم ويطرقون ابواب أفئدتهم بالحنان والود والتفهّم الكامل لأنهم أعرف وأدرى من الصغار في ذلك.
همسة في أذن الآباء
ليعلم الآباء أن لكل مرحلة سنيّة خصائصها التي تتميّز بها، وكل مرحلة عمريّة تمر بأزمات وتغيّرات تحتاج من الوالدين إلى ثقافة تربوية وحُسن ممارسة وحكمة في التعامل.
ان عملية الضرب في كثير من الاحيان لا تعبر عن وجود الحب في قلب الاب أو الأم، وهو ما يحاول ان يوحيه الاثنان عندما يرتكب الطفل خطأ معيناً في البيت او خارجه، بل إنّ القسوة لا تنسجم أبداً مع معاني الحب، فالمحب يجب أن يكون رقيقاً ودوداً، حانياً حنوناً، فمن أحب إنساناً لا يمكن أبداً أن يقسو عليه، والقسوة لا تنسجم مع عاطفة الأبوّة.
وهناك آباء أدمنوا توبيخ أولادهم، ناسين، أو متناسين أن في ذلك إهانة لهم، وقد يؤدي ذلك إلى إذلال الأولاد وإضعاف شخصياتهم وتذويب ذواتهم، وإهدار كرامتهم، وإستمراء الأولاد للذل والمهانة، واضطراب مشاعرهم.
طبعاً لابد من القول: بان امساك يد الابوين عن الضرب هو بالحقيقة دعوة للتخلّي نهائياً عن القسوة والعنف وقلع جذورها من الاسرة ثم من المجتمع بشكل كامل، وهذا لايعني بأي حال من الاحوال إلغاء مسألة العقاب والتنبيه الواردة في النصوص الدينية، وإلا لن تبقى قيم ولا مبادئ ولا تعاليم للاجيال، إنما المفروض علينا ان نزرع الوعي في اذهان الابناء بان هنالك مبدأ الثواب الى جانب العقاب، إن أحسنت نلت الثواب والمكافأة مادياً ومعنوياً، أما اذا ارتكبت المعصية وأسأت التصرف ستنال العقاب بشكل أو بآخر.
*من موقع (البلاغ)