أبيات أُختلف فيها
|
*منذر الخفاجي
كانت بداية رثاء الامام الحسين عليه السلام تلك المقطوعات او القصائد القصيرة التي خلت من المقدمات وهي ظاهرة طبيعية في وقت كانت عيون السلطة الاموية تراقب كل من تشك فيه أو فى ولائه لها. فربما كان خوف الشعراء وراء عدم اطالتهم القصائد، ثم ان تلك المراثي كانت استجابة انفعالية تعبر عن لحظات الحزن في نفوس اشجاها الاسى لما حصل لآل البيت النبوي في كربلاء والهبتها ثورة الرفض والاستنكار للفعل الشنيع الذي ارتكبه نظام الحكم الأموي. وكان من ضمن المقطوعات التي ترددت في ذلك الوقت هذه الابيات:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم
ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم
أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
ضيعتم حقنا والله أو جبه
وقد رعى الفيل حق البيت والحرم
إني لاخشى عليكم أن يحلّ بكم
مثل العذاب الذي يأتي على الامم
ولم ترد هذه الابيات الخمسة التي ذكرناها كاملة في اي مصدر من المصادر بل اختلفت المصادر في ذكر أبياتها بين البيتين والثلاثة والاربعة كما اختلفت الفاظها ورواياتها ونسبتها من مصدر الى آخر فقد نسبت في مثير الاحزان لابن نما الحلي (ص51) وفي اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس (ص96) وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ص151) وفي مجمع الزوائد لابن حجر الهيتمي (ج9 ص200) الى زينب بنت عقيل بن ابي طالب ونسبت في مقتل الحسين للخوارزمي (ج2 ص84) ومقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم (ص407) الى زينب بنت علي بن ابي طالب عليه السلام اما في الارشاد للشيخ المفيد (ج1 ص124) وادب الطف للسيد جواد شبر (ج1 ص200) واعيان الشيعة للسيد محسن الامين (ج4 ص372) والكامل في التاريخ لابن الاثير (ج32 ص137) فقد نسبت هذه الابيات الى ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب ونسبها المسعودي في مروج الذهب (ج2 ص 78) والطبري في تاريخه (ج6 ص268) الى بنت عقيل بن ابي طالب دون ذكر اسمها اما ابو مخنف في مقتله (ص102) فقد نسبها الى أم كلثوم بنت علي بن ابي طالب عليهما السلام ونسبها ابن شهر اشوب في مناقب آل ابي طالب (ج4 ص115) الى اسماء بنت عقيل بن ابي طالب اما الشبراوي في الاتحاف بحب الاشراف (ص73) فقد نسبها الى سكينة بنت الحسين عليها السلام اما ابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسة (ج1 ص 212) فقد ذكر الاختلاف في نسبتها ولم يجزم بنسبتها الى احد وهناك قول آخر انفرد به ابن قولويه في كامل الزيارات (ص193) فقد ذكر رواية عن عبد الله بن حسان الكناني ملخصها بان هذه الابيات قالتها الجن في رثاء الحسين عليه السلام كما نسبت هذه الابيات ي بعض المصادر الى ابي الاسود الدؤلي وهي نسبة تكاد تكون ضعيفة جداً لامور سنوضحها هنا .
وفي خضم هذا الاختلاف الكبير في نسبة الابيات التي لم يجزم المتقدمون على نسبتها، كيف يتعين على الباحث نسبتها ومن هو قائل هذا الشعر هل هو من أهل البيت عليهم السلام ام من باقي المسلمين من الموالين والمحبين؟ وهل هو من الجن أم من الأنس؟
يستشف القارئ ان هذه الابيات صادرة عن قلبٍ ملتاع الزفرات ملتهب العبرات، وقد دلت صورها المؤثرة ومعانيها الاليمة على ان صاحبها كان شاهداً احداث الطف الفجيعة بكل تفاصيلها وكان يعيش حالة المأساة حيث يبدو التحسر واللوعة والحزن العميق في ثنايا الكلمات. إذن فنسبتها الى ابي الاسود الدؤلي الذي كان يعيش في البصرة في ذلك الوقت ضعيفة جداً، وأبو الأسود من كبار شعراء أهل البيت عليهم السلام وقد عرف بولائه الخالص لهم، فربما نُسبت الابيات اليه لعدم تعيين قائلها، خاصة ان قائلها امرأة مع مجموعة من النساء الثكالى حيث يكثر العويل والبكاء والندب.
أما نسبتها الى السيدة أسماء أو زينب او ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب والتي لم تكن مع السبايا حيث ذكر المؤرخون انها كانت في المدينة المنورة وانها خرجت لاستقبال السبايا من انها خرجت في جماعة من النساء وهن يندبن ويبكين ولاذت بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وهي تقول:
ماذا تقولون ان قال النبي لكم
يوم الحساب وصدق القول مسموع
خذلتمُ عترتي أو كنتم غيباً
والحق عند ولي الامر مجموعُ
اسلمتموهم بأيدي الظالمين فما
منكم له اليوم عند الله مشفوعُ
ماكان عند غداة الطف اذ حضروا
تلك المنايا ولاعنهن مدفوعُ
فالملاحظ ان التشابة في الابيات جاء في الشطر الاول فقط مع اختلاف المعاني في الخطاب فكلمة (حضروا) تعطي دلالة على ان القائل لم يكن حاضراً يوم الطف اما الابيات المتقدمة فان نفس القائل يدل على انه كان يعيش المأساة، ويدل على ذلك قوله: (منهم اسارى ومنهم ضرّجوا بدم) وربما اشتبه على المؤرخين النسبة بين هاتين المقطوعتين كونها جاءت على نفس البحر (البسيط).
أما نسبتها الى الجن فقد خلفتها حالة المأساة والضغط السلطوي التي خلقت مثل هذه الارهاصات والمفارقات وهذا ما أسهم في جعل هذه الابيات الدرامية تتردد على الافواه والالسن وكان رثاء الجن وبكاؤهم على الحسين عليه السلام قد شاع وذاع في تلك الفترة حتى صار أمراً مفروغاً منه فالابيات التي يرويها الشعراء المضطهدون والناس المتفجعون من الشيعة والذين كانوا لايستطيعون أن يسكبوا عبراتهم على ثرى امامهم المذبوح نتيجة لعسف السلطة وتفرعن بني امية فاستغلوا كرامة الله للحسين بنوح الملائكة والجن عليه فبثوا اشعار الانس فتولّد من هذا المخاض العسير شعر الهواتف والجداريات والمنشورات وانتشر بواسطة شعراء الحق المهضوم وعبر الضمير الشيعي المقهور.
أما نسبة الابيات المتقدمة الذكر الى سكينة بنت الحسين عليهما السلام مع ما لها من جلالة وبلاغة فهذه النسبة ضعيفة ايضاً لانفراد الشبراوي وهو من المتأخرين في هذه النسبة دون اعتماده على مصدر متقدم. اذن؛ بقي لدينا رأي أخير وهو نسبتها الى السيدة زينب عليها السلام بنت علي بن ابي طالب وهو ما تضافرت عليه الادلة التي رجّحت هذه النسبة فهي اول المفجوعين في ذلك اليوم وقد تضافرت الادلة على ان نسبة الابيات اليها عليها السلام هي الاقرب الى الصحة فاذا ما قرناها بالخطب البليغة التي القتها عليها السلام في الكوفة والشام فانها ستكون قريبة جداً من معانيها فضلاً عن نسبة الخوارزمي اليها في مقتله وهو من المسانيد المعتبرة، وهذا ما اعتمده المحقق الكبير عبد الرزاق المقرم في مقتله ايضاً وذكر الابيات (ص407)
|
|