البحرين... انتهاكات بحجم جرائم ضد الإنسانية
|
د. ضياء الجابر الاسدي(*)
شهدت البحرين مظاهرات حاشدة مطالبة بالإصلاح والتغيير، بعدما خرجت أغلبية الجماهير البحرينية رجالاً ونساء ومنذ أكثر من شهر، من أجل اصلاح النظام السياسي المطبق في البلاد.
تلك المظاهرات التي كانت سلمية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والتي تعد وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي، وحق من الحقوق المشروعة لأي شعب من الشعوب، والتي كفلتها المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية (كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966)، كما كفلها الدستور البحريني وبشكل صريح.
إلا أن الملفت للنظر في هذه المظاهرات والاعتصامات ردة فعل السلطة ورجالاتها من قوات الأمن والعسكر، والتي نزلت إلى الشوارع، بأمر قيادات السلطة الحاكمة، فارضة حظر التجوال، والاعتداء على المتظاهرين والمعتصمين في (دوار اللؤلؤة)، وفي غيره من مناطق البحرين، ولاسيما المناطق التي تقطنها الأغلبية الشيعية، والتي تمثل التيار الرئيس للمعارضة في البلاد، وبأقسى وأبشع صور الاعتداء والتجاوز، والتي تصل إلى حد الجرائم ذات الصبغة الدولية، والتي جرمتها الاتفاقيات الدولية كجرائم للإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية.
دوار اللؤلؤة الذي أصبح رمزاً للمطالبة بالتغيير والإصلاح للجماهير المتظاهرة، مما جعل السلطات البحرينية خوفاً وخشية على وجودها تقرر إزالة هذا النصب الذي كان معلماً بارزاً في البلاد لعشرات السنين.
وأغرب ما في الأمر استقدام قوات درع الجزيرة التي أنشأت من أجل حماية دول مجلس التعاون الخليجي من أي اعتداء أو هجوم خارجي، لا للتدخل في الشؤون المحلية والداخلية لأي دولة من دول المجلس، ذلك الدرع الذي لم يحرك ساكناً عندما غزا نظام صدام دولة الكويت في تسعينيات القرن العشرين، وهو اليوم يتدخل في شأن داخلي خاص بالبحرين، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخاً لميثاق الأمم المتحدة الذي تعد البحرين أحد أعضائه، وخرقا لقواعد القانون الدولي والذي لا يحظر لأي دولة التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، فكيف سمحت تلك الدول لنفسها بهذا التدخل، إلا خوفاً من امتداد تلك المطالبات بالتغيير والإصلاح إلى دولها - وراثية الحكم- الأمر الذي يعكس الصورة الحقيقية للاستبداد والحكم المطلق والتفرد بالسلطة للأنظمة السياسية في تلك الدول.
والملفت للنظر هنا أيضاً موقف وسائل الإعلام الموجه، بالتعتيم على تلك المظاهرات من حيث حجمها وسعتها، وأعداد المشاركين فيها، وطريقة التعامل اللاانسانية وغير القانونية معها من قبل السلطة، فهي لا تقل إذا لم نقل إنها تفوق ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، ومحاولة إظهار هذه المظاهرات وما تنادي به من مطالبات على أنها طائفية تهدد المنطقة بأسرها وهو ما يرفضه المتظاهرون في البحرين، فمتى ما خرجت مظاهرة في تلك الدول أتهمت بالعمالة لدولة أجنبية تارة، أو تم وصفها واتهامها بالصبغة الطائفية، وهو ما يحصل الآن في البحرين بتعاون خليجي واضح وصريح. والأمر الآخر الذي لا نستغربه هنا هو الموقف العربي والإقليمي والدولي وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى، من الانتهاكات والتجاوزات التي تعرض ولازال يتعرض لها المتظاهرون، والمعارضون للنظام الحاكم في البحرين، من الاعتداءات والاعتقالات لحد هذه اللحظة.
خلاصة الأمر أن ما يجري في البحرين يشكل انتهاكاً صارخاً وواضحاً للحقوق والحريات لأغلبية الشعب البحريني، والذي يحتاج منا وقفة صادقة ومعبرة من أجل تعزيز صمود الشعب المظلوم، وصولاً لتحقيق مطالبه بالإصلاح والتغيير.
(*) مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
|
|