في ذكرى مولدها الميمون
زينب. . من بيت الزوجية الى قمة الخلود
|
* الشيخ علي ياسر العكيلي
قال تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً". (الاحزاب/ 73،72)
زينب... هكذا أخبر جبرائيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله أن يسمي ابنة علي وفاطمة. لقد سماها الله سبحانه وتعالى زينباً. وهكذا أعدت لدور هام منذ اللحظة الاولى. لحظة اختبار الاسم. ومذاك بدأ الاعداد للمهمة الكبرى والمسؤولية العظمى في كربلاء. كان بامكانها ان لاتذهب مع اخيها الإمام الحسين عليه السلام وتتعلل بأعذار كثيرة، سيما وان زوجها عبد الله بن جعفر الطيار كان مكفوفاً. وكان هذا يكفي مبرراً لتخلفها عن الثورة لكي تبقى مع زوجها الذي يحتاجها. كما بامكانها ان تعتذر بارتباطها العائلي وبأعمالها في البيت، وتبقى مرتاحة مع زوجها، بعيداً عن أذى الحرب والسبي وملاقاة وجوه غادرتها الرحمة ونور القيم والمبادئ منذ زمن، لكنها كانت عظيمة. فلقد استأذنت زوجها عبد الله لمرافقة أخيها قائد الثورة الخالدة والعظيمة في كربلاء. فكانت الرحلة الى كربلاء. وعندما جاء عبد الله بن عباس ليودع الإمام الحسين عليه السلام بعد ان عزم على المسير الى العراق. قال له: جعلت فداك ياحسين... ان كان لابد من السير الى الكوفة، فلا تَسر باهلك ونسائك، فأجابه الإمام الحسين عليه السلام (شاء الله أن يراهنّ سبايا)، وعند ذلك سمع ابن عباس صوت بكاء ونحيب من وراءه وقائلة تقول: يا ابن عباس، تشير على سيدنا وشيخنا ان يخلفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله بل نحيا معه ونموت معه وهل ابقى الزمان لنا غيره...؟ كانت تلك المتكلمة هي زينب الحوراء سليلة علي والزهراء عليهما السلام.
المرأة والأمانة الإلهية
أجل؛ لماذا فقط الرجال؟ لماذا احتجاز المرأة ومحاصرتها في قضايا بسيطة لاتمت الى المجتمع والعمل المطلوب في سبيل الله بصلة؟
من قال ان الجهاد مسؤولية الرجال فحسب؟ ومن قال ان الرجل هو الوحيد الذي يجب ان يرفض الطاغوت ويقاومه بينما لايسمح للمرأة بذلك؟ ثم من قال ان زينب كانت حالة نادرة لاينبغي ان تتكرر في نساء الاسلام؟
قد تبدو الاسئلة مفروغ من اجابتها. وان المرأة كالرجل تماماً في تحمل المسؤولية، فالآيات الكريمة التي تتحدث عن الامانة التي حملها الله للبشر وقد اشفقت السماوات والارض والجبال من حملها، لم تقل ان الرجال فقط هم الذين ينبغي ان يحملوا الامانة، لأنها بكل بساطة إلهية وسماوية للبشر كافة، إذن؛ هي لا تفرق بين الرجل والمرأة، بل الآية التالية لها تتحدث عن مسؤولية الرجال والنساء على حدٍ سواء وان الله كما سيعذب المنافقين والمشركين سيعذب المنافقات والمشركات، وكما سيتوب عن المؤمنين سيتوب على المؤمنات، "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ". وعليه فان تخلّي المرأة عن مسؤوليتها يعد خلافاً لصريح واقع القرآن الكريم وتوجيهات رسالة الاسلام، وان الثورة - أية ثورة- لا يمكن ان تتغافل دور المرأة او تتجاوزه لانه دور اساس فيها.
لقد أوصلت لنا العقيلة زينب ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وقد شاء الله ان يرى نساء النبي صلى الله عليه وآله وبنات العترة الطاهرة (سبايا) حتى نتعلم منهن درساً هاماً، هو ان المرأة يجب ان تشارك في الثورة وتتحمل الصعوبات والمشاكل جنباً الى جنب مع الرجل. وهكذا حافظت النساء وفي طليعتهن زينب عليها السلام على استمرار الثورة ضد الطغيان والانحراف.
إن (السبي)، بمجرد تلفظه على لسان أية امرأة يدعو الى الاشمئزاز والتحفظ الشديدن فضلاً عن كثير من الرهبة والرعب، فالمرأة وهي ضعيفة بالأساس، تجد نفسها دون محامي او ناصر وسط قطيع من الذئاب البشرية الكاسرة. لكن كل هذا كان عند عقيلة بني هاشم وسليلة الإباء والرسالة والقيم، فرصة تاريخية لنشر القضية الحسينية الى العالم والاجيال، فقد اتخذت من المناطق التي مرّت بها قافلة السبي، منابر لنشر الوعي والحقيقة وإماطة اللثام عن وجه النظام الأموي المتستر بالدين. فهيأت الارضية لثورات كثيرة رفعت شعار (يالثارات الحسين). يتحدث التاريخ ان مدينة تكريت في العراق كان يقطنها جماعة من المسيحيين آنذاك، وقد خرجوا في تظاهرات ضد اعداء الله والاسلام عندما مرّ بهم موكب الثورة الذي تقوده زينب عليها السلام.
زنيب ليست وحيدة
يجب ان نتذكر دائماً أن العقيلة زينب لم تكن وحدها في ميدان المواجهة، فقد كانت ثمة نسوة سطرن ملاحم بطولية ليس بأيديهن وسواعدهن كما يفعل الرجل المقاتل، إنما بقلوبهن المطمئنة والحديدية، حتى باتت الواحد منهن تشجع زوجها او ابنها على اللحاق بركب الثورة والشهادة وتلبية نداء الامام الحسين بالتضحية في سبيل الله.
من تلكم النسوة (دلهم بنت عمرو) التي شجعت زوجها زهير بن القين لكي ينضم الى قافلة الثورة الحسينية، والمعروف ان زهير لم يكن بدايةً مسايراً الامام عليه السلام، لكن حصلت اللقاء في الطريق، فارسل الامام رسوله اليه لكن زهير تريّث وتأمل قليلاً، فبادرته زوجته قائلة: يا زهير...! أي يبعث اليك بن رسول الله ثم لاتأتيه؟ سبحان الله لو اتيته فسمعت كلامه، بهذه الكلمة ساهمت هذه الزوجة الصالحة في وضع زوجها على طريق الثورة فأستشهد مع الحسين عليه السلام، وبدلاً من أن يواصل طريقه في الصحراء بعيداً عن الامام ومسيرته الخالدة، كسب المجد والخلود في أكثر صفحات التاريخ سطوعاً.
وقبل ذلك في الكوفة التي كانت قبل الواقعة كالمرجل الذي يغلي قبل ان يسيطر عليه ابن زياد بمكره ودهائه ودمويته، كانت هنالك (طوعة). تلك المرأة الصالحة، التي ضربت مثالاً للرجال قبل النساء في الشجاعة والمروءة والايمان، فكانت الوحيدة ممن آوى رسول الإمام الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل واخفته في بيتها بعد ان خذله الجميع وبات وحيداً في طرقات الكوفة. صحيح انه استشهد رضوان الله عليه، ولم تتمكن تلك المرأة الصالحة من انقاذ حياته، لكنها ماتت أيضاً وخلد اسمها في التاريخ مع اسم مسلم بن عقيل وقصته المأساوية.
حتى الفتيات الصغيرات في كربلاء وبعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام، شاركن في الثورة على الظلم والطغيان وذلك من خلال (العطش)؛ نعم... انه سلاح ماضٍ أمام السيوف والقسوة والظلم وتزييف الحقائق. ففي مساء العاشر من محرم وكان العطش قد بلغ ذروته في تلك الاجسام الضعيفة، جاء لهم احد جنود يزيد بالماء، أخذ الطفل الاول القدح لكنه رفض ان يشرب والثاني كذلك وللثالث... حتى وصل الدور الى الطفل الاخير وكانت فتاةً صغيرة، أمسكت بقدح الماء وانحدرت به نحو ساحة المعركة فلحقها الرجل وهو يقول الى اين...؟! قالت: أذهب الى الحسين انه عطشان...!! فقال لها ان الحسين قد قتل. سقط القدح من يديها الصغيرتين وأريق الماء على التراب، فقالت: واذلاه... كلا؛ لن اشرب الماء. نعم للعطش رسالة بليغة في مسيرة الثورة، بل تحول الى عامل للانتصار للمبادئ والقيم.
اذن؛ لتتكرر فينا زينب، وليتجدد دورها وشجاعتها وذوبانها في سبيل الله، ولنُحيي الجهاز الاعلامي العظيم الذي أوجدته هذه السيدة العظيمة، لأن كربلاء وعاشوراء في تكرار في تجدد مستمر. إذن؛ بما اننا نؤكد ان المرأة انسانة محترمة وهي نصف المجتمع – كما يقول البعض- فان أمامها المسؤولية والامانة الإلهية والانسانية، وعندما نتحدث عن الثورة والكفاح ضد الانحراف والطغيان، لايعني بالضرورة ان تجد نخلق صورة مطابقة وقسرية لما جرى في كربلاء والسبي وغير ذلك. إنما المسؤولية تتجلى تربية الجيل الواعي واليقض، وذلك من خلال دور محوري وفاعل داخل الأسرة، وأن تقرأ الحديث الشريف بنظرة واسعة وأفق بعيد، (جهاد المرأة حسن التبعّل)، انه بالحقيقة يخاطب الزوج، بان زوجته من شأنها تذكيره وحثّه على العمل في سبيل الله وحب الخير للآخرين ونبذ الانانية والمصلحية.
|
|