نقاط قرآنية مضيئة في طريق الشباب
|
*زكي الناصر
إن القرآن الكريم وإن لم يتناول موضوع الشباب بشكل مباشر ، إلا أنه تناول شيئاً عن هذا الموضوع عندما تحدّث عن (الفتوة) على أنها الصورة الصالحة للشباب .
وكذلك عندما ضرب للشباب أفضل الأمثلة وأجملها في عدد من الأصفياء من الأنبياء الذين اختارهم الله عزّ وجل لرسالاته ووحيه والأولياء الذين امتحنهم لعبادته. فكان المثال الأول هو النبي إبراهيم عليه السلام، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة ويفتش عن الحقائق الناصعة ويملك الشجاعة العالية، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركين . فقال تعالى في كتابه الكريم في حقه: "وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِينَ" (الأنعام: 78).
وبهذا يصبح إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتى، القوي ، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة والإغراء بالجنس، والاغراء بالمال والجاه ، وأمام ضغوط الاضطهاد والقمع والمطاردة والتهديد بالسجن والنفي. والفتى الثائر، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد. قال تعالى في حقه: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ * وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ" (يوسف /22- 23).
والمثال الثالث هو النبي موسى عليه السلام، وهو الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية، وتربى في محيط الطاغوت وايضاً الترف الجاه والدلال، فقد اتخذه فرعون ولداً له بطلب وإلحاح من زوجته الصالحة (أسيا بنت مزاحم). ولكن هذا النبي العظيم بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بعلاقته السماوية، يتجنب معونة الظالمين، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين. كان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة. قال الله عزّ وجل في حقه: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ" (القصص : 14).
والمثال الرابع هم أهل الكهف، اذ قال الله سبحانه وتعالى في حقهم: "إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً" (الكهف : 13-14) .
إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة، والشباب، والقوة، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى، والسيطرة على الشهوات والرغبات ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ومساعدة الضعفاء والمحتاجين والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية .
وقد ورد توضيح هذا المفهوم للفتوة والشباب ، ومضمونها الحقيقي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك من خلال ذكر المصاديق الصحيحة لها.
فقد ورد عن أبي قتادة قال: (كنا عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام إذ تذاكروا عنده الفتوة ، فقال عليه السلام: وما الفتوة ؟ لعلكم تظنون أنها بالفسوق والفجور! كلا... إنما الفتوة طعام موضوع ، ونائل مبذول، وبشر مقبول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف ، وأما تلك فشطارة فتى).
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (نظام الفتوة احتمال عثرات الأخوان وحسن تعهد الجيران).
ولذا أصبح الاتصاف بالفتوة أجمل زينة للإنسان، كما ورد عنه عليه السلام في غرر كلماته وحكمه: (ما تزين الإنسان بزينة أجمل من الفتوة ) .
وفي مقابل ذلك نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى: "وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ" (هود : 42-43) .
ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم يعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى: "وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (الأحقاف : 17).
ولذلك يكون الولد الشاب الصالح قُرَّةَ عينٍ لأبيه، وامتداداً للمسيرة الصالحة، فيما يكون الولد الفاسد عدواً لأبيه وضرراً عليه .
وأخيراً ندعو الله سبحانه بالآية الشريفة: "رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنَا لِلمُتقِينَ إِمَاماً".
|
|