(أبراج البيت) نموذجاً..
الكعبة المشرفة تُشرف عليها ناطحات السحاب
|
*إعداد / سعيد محمد علي
يستعد حجاج بيت الله الحرام للتوجه الى الديار المقدسة متمثلة بمكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج والعمرة، وهم في ذلك يرومون التقرّب الى الله تعالى من خلال تلكم الاعمال والطقوس العبادية المفعمة بالروحانية والسمو، مستلهمين الدروس والعبر في التوحيد والولاية والصبر والاستقامة ومفاهيم وقيم سامية أخرى جسدها نبي الله ابراهيم صلوات الله عليه في بنائه الكعبة المشرفة وسنّه عملية الذبح ورجم الشيطان في منطقة (مِنى)، كما جسدت السيدة هاجر رضوان الله عليها، الصبر والاستقامة في جريها بين جبلي الصفا والمروة، ثم ما حصل بعد ذلك من المعجزة الخالدة وهي تفجّر عين (زمزم) تحت اقدام ابنها المكرّم اسماعيل عليه السلام.
الأبراج بدلاً عن آثار الانبياء
والسؤال الذي ربما يطرحه أي حاج يستعد للسفر الى تلكم الديار المقدسة: هل بقي أثر من النبي ابراهيم و زوجته هاجر وابنه اسماعيل؟
الجواب باختصار؛ ان ما بقي اليوم هو مقام النبي ابراهيم وهو عبارة عن اسطوانة قطرها حوالي المتر الواحد، تضم قدمي النبي العظيم وهي مكسوة بالذهب، لكن لا يجوز لأحد المساس بجدار هذه الاسطوانة القابعة على مسافة قريبة من الكعبة المشرفة، وحسب المصادر والوثائق فان هذه الاسطوانة كانت في العهود الماضية عبارة عن حجرة كبيرة يدخلها الحجاج للصلاة فيها والتقرب من خلالها الى الله. أما عن هاجر فان جبلي الصفا والمروة وبعد ان كان بامكان الحجاج الوصول الى ما تبقى من قمة الجبل حيث تمت تسوية الوادي خلال السنين المديدة الماضية، يجد الحجاج اليوم انهم امام زجاج عازل لايمكنهم لمس الحجر إنما الدوران الى جانبه واكمال أشواط الطواف. فيما بقي من اسماعيل (حجره) الذي عجزت العقول المتحجرة والافكار الجاهلية من المساس به.
وفي هذا المقال لامجال لذكر سائر المشاهد والمواقع التي طالتها معاول الوهابية والجاهلية وهي تعود لأنبياء عظام وأيضاً للرسول الأكرم وأهل بيته الكرام، بحجة تكريس وحدانية الله تعالى!! بل نشير الى ظاهرة عجيبة في مكة المكرمة بشكل خاص، حيث يقابل هذا التهميش وطمس المعالم الحضارية للاسلام، حركة نمو سريعة واخطبوطية لسلسلة من ناطحات السحاب والبنايات الشاهقة. ولمن يطوف حول الكعبة المشرفة يجد نفسه محاطاً بابراج عالية مغلفة بالزجاج المظلل ومكسوة بالرخام والالوان الزاهية، كما لو انها أوثان تستعيد جبروتها وسطوتها على اجساد الناس وعقولهم، فهم لا يرون من خلف النوافذ، فيما بامكان الرائي من الأعلى التفرّج على (الطائفين والعاكفين والركع السجود)، وبكل سهولة.
ولا تتوقف أعمال البناء حول الكعبة المشرفة طوال السنين المتمادية، كما لو ان هنالك اصراراً شديداً على تحويل هذه المدينة وأيضاً المسجد الحرام وتوابعه الى مرفق سياحي – ديني خالٍ من الروح العبادية والمعنوية، وقد رشح من بعض المسؤولين السعوديين ما يؤكد هذه الحقيقة، حيث لم يستبعد هدم الكعبة وإعادة بنائها بحجة استيعاب الاعداد المتزايدة من الحجاج، وقال ان البناء الموجود يعود الى الطراز العثماني! وهو يريد طرازاً وهابياً!
ومن النجزات العمرانية للسلطات الوهابية هدم المنزل الذي ولد فيه الرسول الأكرم عام 570 للميلاد، وكان مجاوراً للمسجد الحرام، وكان لهذا الحدث الذي حصل في بدايات القرن الماضي أصداء واسعة واستنكارات شديدة، مما أجبر الملك السعودي في حينه عبد العزيز آل سعود ببناء مكتبة على الموقع في محاولة منه لاسكات اصوات الاحتجاج، واليوم ترفع يافطة كتب عليها (مكتبة الرسول)، لكن من يتجرأ على الاقتراب والسؤال عما اذا كان بامكانه دخول هذه المكتبة المزعومة أو لمس الباب...؟!!
طبعاً الحديث يطول جداً حول المواقع الاثرية والحضارية التي هدمتها معاول الوهابية وجاهلية القرن العشرين، وافقدتنا الكثير من الارث الحضاري والثقافي بما يمكننا من مواجهة الغرب المستعمر بافكاره وآثاره التاريخية.
أبراج البيت .. أيُّ بيت...؟!
هنا لابد من تسليط بعض الضوء على مشروع عملاق وباهظ جداً يجري العمل فيه على اعتاب المسجد الحرام ويشرف على الكعبة المشرفة! ألا وهو (أبراج البيت)، وهو عبارة عن مجموعة أبراج تحيط ببرج ضخم بارتفاع حوالي 600 متر، ويتباهى المسؤولون السعوديون انهم بذلك يحطمون الرقم القياسي باعلى برج في العالم.
هذا البرج الذي أعدّ ليكون فندقاً بكامل المواصفات يضم 60 طابقاً، وتحيط به ستة أبراج يصل ارتفاع بعض منها بين 30 و40 طابقاً، ومن المتوقع ان ينتهي العمل بهذا البرج ويتم افتتاحه في 27/12/2010، ويقول القائمون على المشروع إنه بعد الانتهاء منه ستصل مساحته الإجمالية إلى 15.6 مليون قدم مربع، أي أكثر من ضعف مساحة وزارة الدفاع الأمريكية، وهو المبنى الأضخم من نوعه في الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن التفاصيل التي تضمها الابراج والخدمات التي تقدمها، فان الملفت للنظر حقاً في هذا المشروع ان برج الفندق الأعلى يحمل ساعة مكعبة الشكل مقتبس تماماً من نمط ساعة لندن الشهيرة، كما ان البرج الذي يحمل الساعة هو استنساخ لبرج لندن.
ونقل شهود عيان انه لاحظ دعايات في مكة المكرمة لاستئجار الشقق في هذه الابراج، وهي تقول: (كن جاراً للرسول...)!! أي ان السلطات السعودية – الوهابية تبلغ لمجاورة الرسول وحتى الكعبة المشرفة والتقرب الى الله تعالى من خلال الشقق الفارهة والمسابح والاسواق والملاعب و... في حين كان بامكان السعوديين إقامة هكذا مشاريع لحل أزمة السكن واستيعاب الاعداد المتزايدة من الحجاج – إن قبلنا بهذه الذريعة- في مكان آخر من أرض الله الواسعة كما هو حاصل اليوم، لا أن تكون زحمة الحجاج خلال أداء مناسك الحج والتدافع الشديد الذي تشهده أيام الحج ملاصقاً لهكذا مجمعات تجارية وترفيهية مكانها مدن مثل لندن أو نيويورك أو طوكيو وأمثالها.
|
|